عدن … وعيد أضحى مبارك ، وكوابيس اللاءات الأربعة

لا  كهرباء ،،، ولا  ماء ،،، ولا  رواتب ،،،  ولا  أمان

أ.د/ عبدالعزيز صالح بن حبتور
هذه ليست دعايةٍ إعلاميةٍ موجهة ضد أحد ولا هي مانشيت عريض مكتوب في صحيفةٍ  ذائعة الصيت للفت الانتباه للقارئ اللبيب ، ولا فزاعة نطلقها لنخيف بها أحد لتقصيره في عدم حمل أمانة المسؤولية بشرف .
لا يا هؤلاء لا .. إن ما نستعرضه هو واقع مُر يعيشـه ويتجرع علقمه أهلنا ومواطنونا في مدينة عدن في كل لحظة وحين ، تخيلوا كل هذه المصائب والمعاناة تحضر إليهم دفعة واحدةٍ  وتحاصر حياتهم من كل جهة وهم مواطنون بسطاء ليس لديهم بديل لمدينتهم وليست لديهم الإمكانات المادية للترحال من مدينة إلى أخرى في فضاء اليمن أو خارجها ، هذه المدينة بحكم وجودها الشاطئي لا تستطيع أن تعيش فيها لساعة واحدةٍ بدون خدمة الكهرباء ، ودرجة الحرارة والرطوبة بها لا تطاق في هذه الأشهر من كل عام الذي تتجاوز درجة الحرارة الـ 40 درجة مئوية ، وتتكرر هذه المأساة للعام الثاني على التوالي ، أي منذ أن بشّروا المواطن البسيط أنهم على موعد من (تحرير عدن) ومن تلك اللحظة والمواطن يسأل هؤلاء المطبلين وجوقة المزمرين : أين مظاهر ذلك التحرير الذي بشّرتمونا به من شهر يوليو 2015م وحتى هذا العيد غير السعيد الذي حشرتمونا في هاوية سحيقة من اللانظام واللا-خدمات ، واللا-حياة كريمة .
هكذا يتحدث أبسط مواطن في مدينة عدن وضواحيها ، وهذا المواطن لا ينازع أحد من ( القادة الجدد ) الذين حضروا بمعيّة القوات الغازية وعلى ظهور دباباتهم ، لا ينافسون أحداً في سلطة أو جاه أو بنهب أموال الدولة والمواطنين على حدٍ سوى ، لا لا ,, فالمواطن لا يريد سوى تأمين الحد الأدنى من خدمة الكهرباء والماء ونظافة الشارع وراتبه في نهاية كل شهر وهذا أقصى طموحـه .
وحكاية خدمات ضخ المياه فهذه قصة أخرى ، فبعض الأحياء ينقطع عنها تدفق المياه لشهر ولأسابيع وأكثر ، وبعضها لأسبوع كامل ، وبعضها لعدد من الأيام !!! ، أيعقل أن يحدث هذا والدول المحتلة التي تسيطر على عدن بقضها وقضيضها لا تستطيع تأمين شربة ماء لأهالي عدن ، كيف يحتل عدن هؤلاء السعوديون والإماراتيون الذين جيشوا معهم كل تلك الجحافل من الجيوش الجرارة من السودانيين والمصريين والأردنيين ومرتزقة البلاك ووتر ، وداين كورب الأمريكيتين ، وبغطاء ودعم من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وبقية الدول الرأسمالية الغربية واستطاعت أن تدفع لهم المال بالعملات  الصعبة ولكنها في ذات الوقت لا تستطع أن تؤمن شربة ماء هانئة للمواطن بعدن ، أليس هذا أمرٍ غريب وعجيب!!! .
ويرفع المواطن العدني صوته بصوت مبحوح وبلهجته العدنية : نشتي ( مي مي مي  أو بان هيس ) لقد ذبحنا الظمأ يا عالم يا ناس.
أين ؟؟؟ الملوك والرؤساء والأمراء الذين وعدونا بالتحرير وبأننا سنعيش بعد ذلك (التحرير) كالمواطن الذي يعيش في مدينة دبي أو مدينة جدة أو حتى مدينة معان ، أو مدينة جوبا بجنوب السودان .
مدينة عدن أصبحت خدمة المياه فيها حاجة حياتية كغيرها من مدن وقرى العالم ، هل يستطيع المواطن العدني تحمل تكاليف شراء صهريج ماء ( بوزة ماء ) في كل أسبوع ، لكونها مدينة ساحلية وينقطع عنها التيار الكهربائي ، وبالتالي يحتاج في كل ساعة للاغتسال وهذا أمرٍ مفروغ منه ، لأن المواطن العدني تعود على هذا المستوى من المعيشة النظيفة ( لا يحب أن يتعايش مع القذارة مطلقاً ) ، وبالتالي هو يحتاج للماء كحاجته للحياة ، ألم يفهم هؤلاء ( المحتلون الأجانب والمحليون ) بأن عدن لها خصوصية وطابع مميز قبل أن يستبيحوها .
أما الأمن والاستقرار في مدينة عدن وضواحيها فهي جزء من ماضي المدينة التي كانت تنعم باستقرار حقيقي ، وحتى ما بعد أكذوبة ثورة الربيع العربي ، كانت عدن تنعم باستقرار وأمن نسبي مقبول ، حتى اندلاع العدوان ووصول الطغاة المحتلين إلى عدن وضواحيها ، من هذا التاريخ تعاظمت الاغتيالات والخطف والتصفيات الجسدية  وأصبحت ظاهرة متكررة لم يعد يستطيع أحد إخفاءها ، والمحزن المخيف أن هذه الاغتيالات قد اتجهت ببوصلتها على أسس مناطقية جهوية ثأرية ، ومذهبية نتنة ، ومحاولة لتصفية ممنهجة لضباط الجيش والأمن بشكل عام .
وأصبح مقاتلو تنظيم القاعدة وداعش يسرحون ويمرحون دون رادع، ، لأن مؤسسات الدولة بالمدينة قد انهارت عن بكرة أبيها ولم يعد لها أي تأثير يُذكر ، وكنا نتوقع أن يعاد بناء هذه المؤسسات على أرض الواقع ، لكن ظهر جلياً عجز وتخاذل قوات الاحتلال ومرتزقتهم في عدن وضواحيها ، ولم يتبق بالمدينة سوى العصابات والبلاطجة ، والمليشيات التي تقبض على خناق المدينة من الوريد إلى الوريد ، وما كل هذه التفجيرات الإرهابية وازدياد الضحايا وتكرار قتل الشباب المنتظرين (للتجنيد) سوى مظهرٍ معلن لحضور القاعدة وداعش في أحياء المدينة ، وكان آخر هذه الجرائم هو التفجيرين الانتحاريين الإجراميين في كلٍ من حي السنافر بضاحية المنصورة بعدن بتاريخ 29 /08 /2016م ، ومدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين بتاريخ 11 /09 /2016م .
أضف إلى ذلك تم تأسيس وبناء أجهزة عسكريّة ( أمنية مناطقية ) أطلقوا عليها مسمى ( الحزام الأمني ) ، تقوم منذ إنشائها على ترويع سكان المدينة الآمنين ، واختطاف واغتيال شبابها ، واقتحام لمساكنها وترويع العائلات العدنية في كل ليلة تقريباً ، وهذه الممارسات غير الإنسانية تقوم بها عصابات ما يسمى ( بالحزام الأمني ) ، وتذكرنا تلك الممارسات بما تقوم به عصابات جيش الاحتلال الصهيوني الإسرائيلي في فلسطين .
وقبيل ساعات من قدوم عيد الأضحى المبارك ، أغلقت البنوك ومكاتب البريد أبوابها في وجه المواطنين وامتنعوا لأسباب غير مفهومة بعدم إمكانية صرف المعاشات والمرتبات لعدد من موظفي مرافق الدولة في عدن ، أي أن المواطن يقضي العيد بكل متطلباته بدون راتب ، وهكذا حوصر العدني بأربعة لاءات قاتلة (4 لا) … لا كهرباء ، ولا ماء ، ولا أمن ، وختموها بـ لا صرف للمرتبات للعمال والموظفين ، هذه كارثة بكل المعايير تسقط على كاهل المواطن العدني البسيط الذي لا دخل ولا إيراد له سوى مرتبه الشهري !!! .
وبدلاً من أن يعكف كل ( المسؤولين الأشاوس في كلٍ من الرياض وعدن ) لحل لاءات عدن القاتلة  ، وتحدياتها المستعصية ، ذهبوا للبحث عن تأسيس مكون سياسي جنوبي سني جديد جامع  ، يا غارة الله الهروب للمذهب السني مرة واحدة ، هؤلاء الناس لم يعودوا يفرقوا بين المذهب والدين ، وبين الوطن الجامع والمصالح الخاصة ، ويكررون بسذاجة تلك التجارب الفاشلة في الوطن العربي ، وهؤلاء يحاولون إرضاء سادتهم الجدد دافعي الدولارات المسمومة ، بذلك هم يقتفون أثر أسلافهم الأوائل الذين شرّعوا ذات يوم للفكر القومي التحرري وبعدها نظّروا للفكر الاشتراكي والشيوعي الإلحادي وبعد كل سيل الخراب من النماذج التجريبة الفاشلة إرتدّوا للخلف للتفتيش في الدفاتر الممزقة للفكر المناطقي الشوفيني البغيض وأحيوا فكر ( القبيلة الماركسية المتناحرة ) وعلى إثرها تقاتلوا بشراسة ، واليوم يَخِـر هؤلاء ساجدين راكعين للتقرب من ( قِبلَتي ) الرياض وأبوظبي تقرباً وتهجداً لتحقيق منافع شخصية بائسة ، وهي مفارقة عجيبة يتندر منها أبناء عدن الأكارم ، ويقولون: إلى متى ستتوقفون عن إجراء حقل التجارب البدائية المتخلفة فينا ؟؟؟ .
الخلاصـة :
إن من يصنعون فكرة المشاريع الوطنية الجامعة هم في الغالب أقلية نخبوية مثقفة في أي مجتمع من المجتمعات البشرية ، ولكنهم يصنعونها لكي تكون مشاريع إنسانية قابلة للاستمرار والنماء ، وتستوعب الغالبية مِن مَن يقتنعون بالأفكار المتجاوزة للأعراق والمذاهب والجغرافيا الجهوية ويرفضون عنصريتها وأفقها الضيق ، كونها مستوعبة لاستنهاض طاقات معظم القوى التواقة للانعتاق والخروج من نفق التخلف والتبعية والتجريبية بأدوات وأساليب عملٍ جاد ومثابر ، والله أعلم منا جميعاً .
وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ?
محافظ مدينة عدن

a_binhabtoor55@yahoo.com

قد يعجبك ايضا