أصحاب بسطات: نعاني من صعوبة توفير متطلبات العيش لأسرنا ولا أحد يرحمنا سوى الله

عمال الرصيف البحث عن العيش النظيف

الأسرة /نجلاء الشيباني

تجار الرصيف أو كما يطلق عليهم أصحاب البسطات “وزبائنهم هم من أكثر الناس بؤساٍ وغلبة، فعائدات عملهم” تكاد تكفيهم لسد حاجة أسرهم فتوفير لقمة العيش مهمة صعبة وأحيانا مستحيلة بالنسبة لهم خاصة وأنهم يواجهون عدداً من المشكلات سواء أكانت السرقة أو التعرض للابتزاز أو حتى العقوبات التي تفرضها الأجهزة المختصة على أولئك العمال الذين يعمل غالبيتهم بعشوائية، دون أية مبالاة للنتائج، والسبب هو حاجتهم الملحة لتوفير سبل العيش البسيط … قصص تدمي القلب يسردها لنا من يفترشون الرصيف وزبائنهم.. تجدونها في هذا التحقيق:

أحمد وصبار أصدقاء منذ عامين فقد كانا يعملان في بسطة لبيع الجوارب الرجالية في باب اليمن بعد أن وجدا نفسيهما في الشارع دون مبرر مقنع سوى أن القسوة غشت على عيون من حولهم..
البداية مع أحمد الذي كان قدوة لباقي إخوته الصغار ومثالاٍ يحتذى به عند جيرانه سواءٍ في دراسته أو في أخلاقه. هكذا عاش أحمد ثلاث سنوات بعد أن توفيت أمه وقرر والده الزواج مرة أخرى بجارته لترعى أولاده والنتيجة أنها كانت سبباٍ في طرد أحمد للشارع وهو في سن الثانية عشرة ليضطر حينها للعمل في غسيل الصحون في أحد المطاعم الذي تعرض فيه للكثير من الضرب والاستغلال، حينها تحولت حياته إلى جحيم فقرر الهرب والعمل في بسطة على أحد الأرصفة بشميلة، وبدأت حياته تتحسن نوعاٍ ما حتى سمع خبر طرد إخوته الثلاثة الصغار من قبل الخاله للشارع في غياب والدهم فذهب مسرعاٍ لأخذ إخوته واستئجار غرفة وحمام بتسعة آلاف ريال لتبدأ من جديد معاناة أحمد بالبزوغ وهذه المرة مع إخوته الصغار..
أفضل حالا
أما صبار فلم يكن أفضل حالاٍ من صديقه أحمد، صبار يبلغ من العمر خمسة عشر عاماٍ كان كباقي أقرانه من الأطفال يذهب إلى المدرسة ويعود إلى البيت للعب والمذاكرة قبل أن يموت والده الذي كان يعمل في ورشة لسمكرة السيارات ويرمى بعدها إلى الشارع من قبل صاحب الغرفة التي كان يعيش فيها هو ووالده. أما والدته فقد توفيت عند ولادته، وهكذا ترك صبار دراسته وتوجه للعمل في البسطة مع صديقه أحمد والنوم في لوكندة منذ وفاة والده..
أحمد وصبار نموذجان حيان لباقي البساطين فقد جمعهما الضياع في الشارع وتعايش معهما الظلم من كل حدب وصوب وهاهما اليوم يعملان ببيع الأكوات وأي نوع من الملابس يتحصلان عليه بسعر رخيص من قبل التجار وما يحصلان عليه بالكاد يكفيهما للأكل لذا فهما مثلما قالوا «بساطين» وسيبقون كذلك حتى يشاء الله.
والحصول على الطعام بطريقة غير مذلة لم يعد يحلم بأي شيء وكل ما يتمناه هو النوم بمكان دافئ والحصول على الطعام بطريقة غير مذلة ما عاشه العتمي، كما يطلقون عليه، أجبره على التفكير بهذه الطريقة فقد كان يفترش الرصيف ويبني لنفسه غرفة صغيرة من الكراتين التي يرميها تجار الجملة بباب السلام وينتظر بقايا الطعام الذي كان يتركه الناس في المطاعم حتى أتى اليوم الذي أغشي عليه من الجوع وألم في البطن فأخذه أحد العاملين في البسطات إلى مستشفى الثورة لعلاجه ومن حينها وهو يعمل معه وينام معه في غرفة واحدة بشارع خولان، وهذا على حد تعبيره يكفي فالعمل مقابل الطعام والابتعاد عن التشرد في الشوارع لم يكن يحلم به بعد أن طرده إخوته من الأب من منزله بعد وفاة والدهم. وبعد أن انتهى من حديثه قال لي وعينه تنظر إلى الأرض لا تستغري لو كنت مكاني لقبلت بوضعي فأنا آكل وأنام.
الدواء المجاني
عارف وطارق أخوان يعملان بجهد متفان متنقلين من مكان إلى آخر لبيع الملابس المستخدمة (الحراج ) بعد أن يقوما بفرش طربالهما الأزرق على الأرض ليوم كامل بعده يختاران مكاناٍ آخر في اليوم التالي للهرب من البلدية التي أخذت بضاعتهما بحجة أنها تنقل الأمراض وأنهما يشكلان زحمة في الشوارع لذا فهما يتنقلان من مكان إلى آخر لكي لا يقعا فريسة في أيدي الجهات المختصة. عارف وطارق يعملان في هذا المجال منذ أكثر من ستة أعوام وقبلها كانا يعملان ببيع الأكوات أمام المؤسسة الاقتصادية اليمنية ولكنهما بالرغم من كل تلك السنوات لم يستطيعا الخروج من الغرفة التي يسكنان فيها مع والدتها وأختهما الكبرى فالأرباح التي يحققانها لا تكاد تكفيهما سوى لشراء الطعام ودفع إيجار الغرفة البالغ عشرة آلاف ريال بالرغم من أنهما لا يتناولان القات بكثرة ولا يأكلان سوى في غرفتهما الصغيرة مع أمهما وأختهما وهذا ما يقلقهما فهما يقولان: لولا رحمة الله الرزاق بنا لكنا متنا جوعاٍ ولو مرض أحدنا فإننا نذهب لطوارئ المستشفيات الحكومية بحثاٍ عن بعض الدواء المجاني.
فرصة عمل
قال رئيس هيئة المعارض والأسواق الدولية في تصريح صحفي أن تجارة الرصيف لها سلبياتها وإيجابياتها الخاصة فهي تمثل فرصة عمل للشباب العاطل كما أنها توفر السلع للمواطن صاحب الدخل المحدود وهي في الآونة الأخيرة أصبحت تلاقي رواجاٍ أكثر من السابق ولكن هناك أصحاب محال يقومون بإخراج بضاعتهم إلى الشوارع ليتهربوا من الضريبة وهذا ما يصعب الأمر على الجهات المختصة ويضر بأصحاب هذا النوع من التجارة ويزيد من معاناتهم.
التنظيم والرقابة
يرى علماء الاجتماع أن الشباب الذين يتوجهون إلى هذا النوع من الأعمال يفكرون بطريقة إيجابية وفضلوا مثل تلك الأعمال الشاقة وغير المربحة على أعمال السرقة والنهب التي تنتج من نفس الأسباب (الفقر والجهل) كما أن مثل تلك الأعمال بالرغم من إيجابية العاملين فيها إلا أنها تحتاج إلى التنظيم والرقابة من قبل الجهات المختصة ليقللوا من نسبة الغش الذي يلجأ إليه بعض العاملين في هذا العمل ولتجنيب المواطن سلبيات هذه الأعمال التي تنتشر بشكل كبير في الآونة الأخيرة وخاصة في الأحياء الفقيرة ..

قد يعجبك ايضا