السرعة الزائدة والتجاوز الخاطئ والطرق المتهالكة والمدمرة جراء العدوان

 

حوادث السير.. كوارث تغتال فرحة العيد

تحقيق/حاشد مزقر

في أول أيام العيد ذهب مواطنان كانا على متن سيارة هايلوكس ضحية انقلاب في طريق (صنعاء – الجوف) وقد وصف لنا طه عبدالكريم أحد أفراد نقطة الجيش واللجان الشعبية، الحادث بأنه (مروع ومؤلم) وكما يقول: ما من سبب أكبر من السرعة الزائدة، ولكني أعتقد أن حالة الطريق قد تسببت أيضا في هذا الحادث المؤلم فمن أكبر الأخطار في مثل هذه الحالات أن تجتمع السرعة مع طريق سيئة .. لافتاً إلى أن (المقطورات الكبيرة تأخذ الجزء الأكبر من الإسفلت وفي خطوط ضيقة أصلا) .. كثيرة هي مآسي الحوادث المرورية فهي أكثر من أن تحصى ويزداد وقوعها خلال أيام العيد، فتحيله من داعي فرح إلى داعي ترح .. السطور التالية تسبر أغوار هذه المشكلة.

في غالب الأحيان تعزى حوادث السير إلى الاستهتار أو انعدام المسؤولية، ويقدم عبدالله محمد (موظف) مثالاً على ما يمكن أن يصل إليه طيش بعض الشبان وهم يستمتعون بالضغط على دواسة البنزين دونما حذر أو حسبان، فقد شاهد في ثاني أيام عيد الفطر المبارك شاباً لا يتجاوز العشرين من عمره يقود سيارة جديدة ومعه ثلاثة شباب من أسرته وينطلق بسرعة جنونية وكأنه يسابق الريح وعلى حين غفلة اختلت عجلة القيادة في يده وخلال ثوان معدودة شاهد السيارة وهي تنقلب وتصطدم بإحدى السيارات الواقفة على الخط ويفاجأ بالسيارة وقد تهشمت تماماً واثنين ملقيين على الأرض، وقد لا يستطيعان الوقوف مرة أخرى، بسبب إصابتهما بكسور في العمود الفقري والحوض.
يتابع عبدالله رواية شهادته قائلاً: في مشهد كهذا لا تملك إلا أن توجه أصابع الاتهام إلى الأهل الذين لا يمانعون في إعطاء مفاتيح سياراتهم لأبنائهم وهم في مثل هذا اللاوعي تحت مبرر قضاء نزهة العيد، فهم يتحملون المسؤولية عمَّا تسبب به أبناؤهم لأنهم لم يقوموا بأكثر أدوار الآباء أهمية في تربيتهم على تحمل المسؤولية تجاه أنفسهم والآخرين وحمايتهم من طيشٍ تكون عواقبه وخيمة.
سرعة الموت
عبد الرزاق مجاهد (تاجر) يحكي كيف تعرض هو وصديقه لحادث مروع توفي صديقه على إثره مباشرة فيما لا يزال هو يعاني من إصابته في الحادث، ويقول: انطلقت ومعي صديقي بأقصى سرعة حتى لا نتأخر عن موعد التخزينة في أحد المنتزهات وكنا في طريقنا إلى خارج أمانة العاصمة نسير في طريق ضيقة ذات اتجاه واحد وكانت أمامي مقطورتان تحملان المشتقات النفطية، حاولت تجاوزهما ولكني فوجئت بقدوم سيارة ولم أستطع الرجوع إلى خطي كوني كنت إلى جوار القاطرة الثانية فانحرفت يساراً وخرجت من الخط لتجنب الاصطدام وكان نتيجة ذلك انقلاب سيارتي عدة مرات وتحطمها تماماً ونجوت بأعجوبة من مصير كان محتوماً.
يأخذ عبدالرزاق نفساً عميقاً ويتابع: هذا الحادث جعلني من الذين جربوا الموت ووقفوا في الممر القصير الذي يفصل بين الحياة والموت، وما زلت أشعر بالذنب لأني تسببت في موت إنسان لا ذنب له عدا أنه صديقي وكان برفقتي في هذا الحادث المؤلم، وصدق من قال في العجلة الندامة مع أني أُحمل رداءة وضيق الطريق جزءاً من المسؤولية.
الدراجات سبب!
حوادث السير لا تقتصر على السيارات وحدها، بل تمتد وبدرجة توصف بالمتزايدة إلى الدراجات النارية .. ومن ضحايا هذه الحوادث حدثنا أحمد حسين، كيف تعرض لحادث دراجة نارية، قائلاً : كنت في طريقي أقود سيارتي بحذر تام ولكني فوجئت باصطدامي بإحدى الدراجات النارية، لم أفهم كيف حدث ذلك ومع أن سائق الدراجة النارية قد ألقى بنفسه في طريقي إلا أنني تحملت مسؤولية إسعافه وعلاجه وكوننا في إجازة عيد فلم أجد مستشفى يقبل معالجته إلاّ بصعوبة في أحد المستشفيات الخاصة وهو الآن في العناية المركزة وأدفع مبالغ كبيرة لرفض أسرته نقله إلى أحد المستشفيات الحكومية رغم أني حاولت إيجاد سرير فلم أجد.
حسين يمضي بحسرة في حديثه: ولا أعرف ما الذي سأفعله لتوفير كامل متطلبات العلاج والمستشفى الخاص، لذا أطالب الجهات المختصة بالحد من ظاهرة انتشار الدراجات النارية خلال أيام العيد لأن كثيراً من سائقيها لا يلتزمون بقواعد المرور ويتسببون في الكثير من الحوادث وبمجرد انزلاق إحداها إلى أمام إحدى السيارات تلقى المسؤولية على عاتق سائق السيارة مع أنه ليس المتسبب في الحادثة.
حوادث مباغتة
عبدالله الخولاني هو الآخر تعرض لحادث مع دراجة نارية أثناء قيادته لسيارته، يقول: باغتتني دراجة نارية من خلال رصيف يفصل بين الخط الأيمن والأيسر بانعطافها فجأة في طريقي وكان نتيجة ذلك اصطدام مباشر، نجا منه سائق الدراجة بأعجوبة. لا يزال عبدالله يتذكر لحظة الحادث، ويقول: فقدت القدرة على النطق، وأيقنت أن آثار هذا الحادث ليست سطحية رغم أني لست المتسبب به وبعد مرور أقل من نصف ساعة تفاجأت بأنني أحتاج إلى 250 ألف ريال كدفعة أولى للمستشفى وهو مبلغ كبير وأنا مضطر إلى بيع سيارتي والسبب في ذلك يعود إلى استهتار سائقي الدراجات النارية وعدم مراعاتهم لقواعد المرور وإلقاء المسؤولية كاملة على عاتق من يبتلى بحوادثهم.
وفي حادث مشابه يروي توفيق الزهيري مأساته التي عاشها قائلاً: وأنا في طريقي إلى المنزل عائداً من السوق كان إلى جوار سيارتي دراجة نارية يستقلها شابان وبدون سابق انذار انزلقت الدراجة أمام سيارتي وتسبب ذلك في دهسها ورغم أن الذهول أصابني لكني قمت بنقلهما إلى المستشفى وأحد هذين الشابين كانت حالته خطيرة جداً ودخل في غيبوبة وتحملت كامل مصاريف وتكاليف علاجه وأصبحت أعاني وكأنني الضحية وأمر بظروف قاسية مسلماً أمري لله.
مشكلة اجتماعية
بعد أن استعرضنا هذه الحالات المأساوية الناجمة عن حوادث السيارات كان لا بد من استكشاف العوامل النفسية في وقوع حوادث السير، اتجهنا إلى مركز الأطراف حيث يتلقى كثير من مصابي حوادث السير العلاج، وهناك تحدث إلينا الدكتور حسن السامعي، مدير إدارة العلاج الطبيعي، قائلاً: يأتي الكثير من الشباب المعاقين إلى هنا نتيجة حوادث السير المختلفة والتي تتزايد وتيرتها في أيام العيد والكثير منهم يجلسون على مقاعد متحركة مصابون بالشلل.
ويصف الدكتور السامعي هذه المشكلة بالقول: إنها واحدة من أكبر المشكلات الاجتماعية وهي تحتاج إلى الجهود لإيقاف هذه المطحنة التي تطحن أجساد شبابنا وتضع علامة استفهام أمام مستقبلهم الذي نحتاج إليه أشد الحاجة، ولذا لا بد من وجود إجراءات تكفل الحد من هذه الحوادث المميتة خصوصاً أن معظمها المتسبب الرئيسي فيه السرعة الزائدة وعدم التقيد بقوانين المرور.
وللعدوان نصيب
بالانتقال إلى إسهام حالة الطرق في كثير من حوادث السير، تحدث إلينا الباحث الاقتصادي صادق الفقيه عن حجم الدمار الذي لحق بالطرق الرئيسية والجسور نتيجة استهداف العدوان السعودي وربط ذلك بتزايد الحوادث، فقال: في الحقيقة نحن بحاجة إلى نزول ميداني لدراسة حجم الدمار الذي خلفه طيران التحالف، لكن بالتأكيد أنه ليس هينا ويحتاج إلى ملايين الدولارات لإعادة إعمار ذلك الدمار، الذي لم يلحق بالطرق وحسب بل تسبب في إعاقة سير السيارات وشكل سبباً محورياً للحوادث المختلفة.
الفقيه تحدث عن مأساة أخرى ألقت بأثرها على المواطنين في كل المحافظات، فقال: استهداف العدوان للطرق والجسور الرابطة بين المحافظات جعل منها طرقاً غير آمنة كما أن استهداف الطرق الطويلة افقدها جودتها وعندما تغيب عوامل الجودة والسلامة في الطرقات يغيب السير الآمن فيها كما أن عدم تطبيق قوانين المرور وخصوصاً تحديد السرعة يزيد من خطورة المشكلة.

قد يعجبك ايضا