خالد عبدالمنعم *
مسرحية هزلية تشهدها الساحة الدولية بين منظمة الأمم المتحدة ضعيفة الشخصية والمملكة السعودية صاحبة القدرة الشرائية العالية بشأن الملف المتعلق بأطفال اليمن، فالأمم المتحدة كانت وضعت عدوان التحالف العربي بقيادة السعودية على اليمن، في وقت سابق من الشهر الحالي ضمن قائمة الدول والجماعات التي تنتهك حقوق الأطفال خلال النزاعات، وبعد فترة وجيزة رفعته، وعللت وقتها قرار الرفع بأنها في انتظار لمراجعة مشتركة مع التحالف العربي المعتدي على اليمن.
قال ولي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، أمس، قبل لقائه مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، إنه “غير غاضب” من التقرير الأممي، الأمر الذي استهجنه محللون سياسيون، خاصة أن السعودية أقامت الدنيا ولم تقعدها بعد إدراجها في القائمة السوداء المتعلقة بالانتهاكات ضد أطفال اليمن، وقال كي مون إنه تعرض لضغوط شديدة من قبل المملكة كإلغاء السعودية تمويل عدة برامج للأمم المتحدة، كانت السبب في تراجعه عن قراره بحق الرياض.
ويرى مراقبون أن دعوة الأمين العام للأمم المتحدة إجراءات لحماية السكان المدنيين أثناء العملية العسكرية للتحالف العربي، وتعد بمثابة دليل واضح على أن السعودية متورطة بالفعل بانتهاكات ضد أطفال اليمن، خاصة أن كي مون، أمل أن يتسنى له الإشارة إلى تحقق تقدم، فيما يتعلق بحماية الأطفال والمدنيين في اليمن بحلول موعد تقديم التقرير لمجلس الأمن في أغسطس.
“لعنة أطفال اليمن” والكيان الغاصب
يبدو أن لعنة أطفال اليمن التي مازالت تطارد السعودية، أصبحت تشكل هما مشتركا آخر يربط بين الرياض وتل أبيب، فبعد التقارب العلني الذي لم تعد المملكة تخجل في البوح به سواء في لقاءاتها العلنية مع أطراف صهيونية سياسية وعسكرية في المحافل الدولية أو حتى السرية منها، أصبح ملف انتهاكات حقوق الأطفال اليمنيين يدلل ولو بمحض الصدفة، على الجانب العدواني في التركيبة السعودية الإسرائيلية، ففي الوقت نفسه الذي وجهت فيه انتقادات للسلطات في الرياض حول انتهاكات أطفال اليمن.
وطفت إلى السطح مجددا قضية «أطفال اليمن المخطوفين» على جدول أعمال الكنيست والرأي العام، مع استئناف شخصيات نافذة من «يهود اليمن» مطالبة الحكومة برفع السريّة عن بروتوكولات لجنة التحقيق الرسمية عام 2001 في ادعاءات اليهود المهاجرين من اليمن إلى الكيان الصهيوني في السنوات الأولى لإقامتها، بأن نحو 1700 من أطفالهم اختفوا أو خُطفوا من أمهاتهم، وتم بيعهم لعائلات محلية وأجنبية للتبني.
وناشدت لجنة الدستور البرلمانية أمس، الحكومة السماح لمسؤول الأرشيف الحكومي بكشف البرتوكولات وعدم انتظار 55 عاماً آخر، ووصف عدد من أعضاء اللجنة هذا الملف بـ «وصمة عار في جبين المجتمع الإسرائيلي»، وقال أحدهم إن الحكومات المتعاقبة تعاطت مع هذا الملف كأنه «سر نووي».
وذكرت وسائل إعلام عبرية، أمس، أنه بعد نضال شعبي دام سنوات، وصلت مؤخرا بشائر مؤثرة إلى عائلات أطفال يهود اليمن المخطوفين منذ تسعينيات القرن الماضي.
وقالت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، إنه في خلال عدة أشهر سيتم نشر كل البروتوكولات المحفوظة في أرشيف الدولة والتي توثق اختطاف أطفال اليمن وعمل اللجان الحكومية المختلفة طوال الـ20 عاما الأخيرة للتحقيق في الموضوع.
وكانت دولة الاحتلال الصهيونية استقبلت في السنوات الأولى لإقامتها (1948 – 1952) أكثر من 50 ألفا يهودي يمني كـ«مهاجرين جدد»، لكن حيال كثافة عدد المهاجرين من دول العالم، تم إسكان «اليمنيين» تحديدا في مساكن خشبية ومخيمات مؤقتة، وتم فصل الأهالي عن أولادهم الذين وجهوا إلى المستشفيات للفحوص، لكن تم تبليغ مئات من هذه العائلات تباعاً بوفاة أطفالها ودفنهم من دون أن يرى الأهل «الجثث» أو مواقع دفنها، أو حتى إصدار شهادات وفاة رسمية.
ولم تشفع الضجة التي أثاروها، بل تمت التغطية على الملف حتى آواخر ستينيات القرن الماضي حين تلقى مئات «المتوفين» أوامر استدعاء للخدمة العسكرية الإلزامية مع بلوغهم الثامنة عشرة، لتفهم العائلات أن أبناءها ما زالوا على قيد الحياة، وأن الادعاءات بخطفهم لا أساس لها من الصحة.
وتبيّن لعدد كبير منها بأن أبناءهم «المتوفين» سُجلوا كمن غادر البلاد منذ سنوات، وعندها فهمنا أن السلطات كذبت علينا، وأن أبناءنا اختُطفوا أو بيعوا للتبني، كما قال أحدهم للإذاعة العامة أمس، ومع كشف الموضوع تمت عودة 30 منهم إلى عائلاتهم.
وتحت الضغط، تشكلت لجنة تحقيق برلمانية لم تقد إلى نتيجة، وبعد 20 عاما، تشكلت أخرى، وهي أيضاً لم تتوصل إلى نتيجة حتى تعيين لجنة تحقيق رسمية عام 2005 قدمت بعد ستة أعوام تقريرها عن الموضوع بعدما استمعت إلى إفادات من حوالي 800 عائلة.
وأقرت اللجنة أنه تم التعامل على أساس عنصري ضد «يهود اليمن»، لكنها أضافت أنه باستثناء 56 ملفاً «بقيت عالقة»، فإن 733 توفوا حقاً، مع ذلك قررت الحكومة فرض السرية على بروتوكولات اللجنة لمدة 70 عاما.
وعزز قرار فرض السرية على مداولات اللجنة، واحتراق أرشيفين يتعلقان بالقضية قبل بدء عمل اللجنة، الشعور لدى «يهود اليمن» بأن مؤامرة حيكت رسميا في حينه بالتعاون بين وزارتي الشرطة والصحة لإخفاء أطفال «يمنيين» وبيعهم للتبني، وأنه لولا تورط المؤسسة الحاكمة في هذه «الفضيحة» لما قررت التستر 70 عاماً آخر على الملف.
ولا يتردد سياسيون ونافذون في أوساط يهود اليمن، في اتهام الحكومات الأولى التي سيطر عليها اليهود الأشكناز بانتهاج سلوك عنصري ضد أطفال اليمن، أولاً بسبب بشرتهم السمراء، ثم لكونهم متدينين في مجتمع تريد الحكومة أن يكون أبيض وعلمانياً.
* عن موقع البديل المصري
Prev Post
قد يعجبك ايضا