خروق العدوان السعودي تحوِّل مباحثات السلام إلى “مسار عبثي”

■ الأمم المتحدة توفر الغطاء لاستمرار العدوان والحصار وتؤكد أن “اتفاق وقف إطلاق النار يبدو متماسكاً”
تقرير / كمال البرتاني

قبل كل جولة من المباحثات بين القوى الوطنية الرافضة للعدوان، وبين السعودية ومن معها من الدول والمرتزقة، يتم الإعلان عن “هدنة” بهدف فتح الطريق أمام إيجاد حل سلمي في اليمن، إلا أن تلك الهدنات لا تلبث أن تنهار.
منذ العام الماضي، لم تصمد لساعة واحدة أي هدنة أعلنت عنها الأمم المتحدة، فالغارات تستمر، والزحوفات تتواصل، والقصف الصاروخي والمدفعي لا يتوقف، والهجمات على مواقع الجيش واللجان الشعبية في مختلف المحافظات لا تهدأ. ومع كل ذلك، يصب الإعلام المعادي سيل اتهاماته على الجيش واللجان الشعبية، مؤكدا التزام طائراته وبوارجه وحشود مرتزقته بوقف إطلاق النار!
كل ذلك كان يخضع للمزايدات والابتزاز الأممي والدولي، إلا أن الأمر تغير منذ إعلان الهدنة الأخيرة في أبريل الماضي، قبيل انطلاق مباحثات الكويت؛ إذ تبين للعالم أن اختراق الهدنة جزء من تكتيكات الحرب السعودية، وجزء من وسائل الضغط ومحاولات تركيع اليمنيين بأوهام الحسم العسكري.
إعلان الهدنة
برعاية الأمم المتحدة، تم الإعلان عن استئناف المباحثات اليمنية في الكويت، على أن يتم التمهيد لها بوقف إطلاق النار، تعبيرا عن حسن نوايا كافة الأطراف، واتجاهها نحو الحل السلمي.
وقد أعلن الناطق باسم القوات المسلحة العميد شرف غالب لقمان التزام الجيش واللجان الشعبية بوقف إطلاق النار، مع الاحتفاظ “بحق الرد في مواجهة أي خروقات”، كما بعث أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام برسالة مشتركة للمبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، تؤكد الالتزام بوقف كافة العمليات العسكرية، حرصا على إنجاح مباحثات الكويت.
وكان من المفترض أن يبدأ سريان الهدنة في منتصف ليل الـ11 من أبريل الماضي، حسب ما أعلنه ولد الشيخ أحمد الذي أبدى تفاؤله بقرب التوصل لحل، وأكد “التزام كافة الأطراف بوقف العمليات العسكرية”، إلا أن طيران العدوان وجحافل مرتزقته خرقوا الهدنة، وضربوا بالتعهدات الأممية عرض الحائط. وسجلت وسائل إعلام أكثر من 40 خرقا في اليوم الأول، شملت 14 محافظة. وهذا ما دعا الوفد الوطني لتأجيل سفره إلى الكويت حتى حصل على تعهدات بالتزام الطرف الآخر. وخلال أكثر من 65 يوماً تم تسجيل آلاف الخروقات.
أنواع الخروقات
تنوعت خروقات الهدنة التي قام بها العدوان ومرتزقته، بين:
–  غارات جوية
–  تحليق للطيران الحربي والاستطلاعي
– قصف من البوارج الحربية
– زحف وتحشيد على الأرض
– محاولات سيطرة على مواقع جديدة
– قصف مدفعي وصاروخي
– وهجمات متنوعة على مواقع الجيش واللجان الشعبية.
واصل طيران العدوان خرق الهدنة بسلسلة من الغارات اليومية على أهداف مدنية ومعسكرات ومواقع للجيش واللجان الشعبية، منها مئات الغارات على معسكر العمالقة في حرف سفيان بمحافظة عمران، (وكانت قواته مرشحة للعب دور في الإشراف على تنفيذ مهام اللجنة العسكرية والأمنية).
واستهدفت الغارات البنى التحتية من طرقات ومراكز صحية، ومنشآت صناعية، إضافة إلى تجمعات سكنية، ومزارع وآبار المياه، ومن ذلك استهداف معدات زراعية في مديرية صرواح بمحافظة مأرب يوم الـ13 من يونيو بـ6 غارات.
وقصف الطيران المعادي عددا من منازل المواطنين بشكل مباشر، منها منزل المواطن حسين علوي في العرضي بمديرية الغيل- محافظة الجوف، يوم الـ18 من أبريل.
وأوقعت الغارات عشرات الشهداء والجرحى المدنيين بينهم نساء وأطفال، إضافة إلى تدمير عدد من المنازل والمباني وإلحاق أضرار متفاوتة بالمساكن ودور العبادة والمدارس وغيرها.
وتكثفت الغارات في جبهات القتال بمحافظات تعز، صنعاء، شبوة ولحج؛ في محاولات يائسة لإجبار الجيش واللجان الشعبية على إخلاء بعض المواقع، وتوفير غطاء جوي يؤمن تقدم  المرتزقة.
وواصل طيران العدوان تحليقه المكثف في سماء العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات، فاتحاً في حالات كثيرة حاجز الصوت لإرهاب المواطنين، كما واصل الطيران التجسسي والاستطلاعي تحليقه من دون توقف.
ونفذ طيران العدوان عمليتي إنزال أسلحة في مديرية التربة بمحافظة تعز بعد ساعات على إعلان الهدنة يوم الـ11 من أبريل الماضي.
وقصفت البوارج الحربية التابعة لدول العدوان مواقع عديدة في الشريط الساحلي الغربي بمحافظتي تعز والحديدة إضافة إلى قصف مواقع في محافظة مارب.
* وقامت القوات الموالية للعدوان بالزحف على مناطق عديدة في جبهات القتال، كما استمر التحشيد والدفع بتعزيزات من المرتزقة والدبابات والمدرعات والمدفعية، ومحاولة التمركز في مواقع جديدة واستحداث تحصينات استعدادا للهجوم على مواقع الجيش واللجان الشعبية.
وتم كسر عشرات الزحوفات في عدد من الجبهات؛ وخصوصا في تعز- المدينة والمحافظة، ومديرية نهم بمحافظة صنعاء، ومأرب والجوف. وأدت هذه الزحوفات إلى نزوح آلاف المواطنين من مناطق سكناهم، كما حدث في مديرية مقبنة بمحافظة تعز، حين دفع المرتزقة بتعزيزات كبيرة واحتلوا منازل المواطنين في منطقة المضابي حمير التي تحولت إلى ثكنة عسكرية؛ ما أجبر الأهالي على النزوح.
وتعرضت مناطق عديدة للقصف المدفعي من قبل المرتزقة، وقصف بصواريخ الكاتيوشا، وبالذات في نهم، وجبهات محافظة تعز. واستمر مرتزقة العدوان في مهاجمة الجيش واللجان الشعبية بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة، ونصب الكمائن، والتقطع للمواطنين. كما واصل المرتزقة نهب المؤسسات الحكومية والممتلكات العامة والخاصة، كان آخرها نهب محتويات إدارة الصحة المدرسية بمديرية القاهرة- محافظة تعز.
رقعة الخروقات
شملت الخروقات 14 محافظة، وقد رصدنا أهم المناطق فيها وهي:
تعز: مناطق الحوبان وصالة وكلابة وبير باشا وجبل جرة، وثعبات والدمغة بمديرية الجحملية، ومناطق الضباب والحنيشية والبرح ومديرية التربة ومديرية ذوباب، وجبل دباس ومنطقة المدرب والقرف ومنطقة القشوبة وموقع الشبكة والغاوي في مديرية الوازعية. ومنطقة المضابي حمير بمديرية مقبنة، وقرية الدمينة غرب اللواء 35 ومناطق الجديد والعمري والشريط الساحلي بمديرية المخا.
مارب: جبال الرشاء ونجد منيف وجبل هيلان ووادي الضيق ومنطقة الأشقري بمديرية صرواح، ومناطق متعددة في مديرية حريب القراميش، والمناطق المتاخمة لمحافظة البيضاء في مديرية العبدية.
صنعاء: منطقة حريب نهم، جبل الحول، الفرضة ومسورة، المحاوجة، المبدعة وبني بارق، ملح والمدراج وجبل الصلطا، والضبوعة وبران.
عمران: مديريات خمر، ثلاء، حرف سفيان. ومن تلك الخروقات استهداف الطيران بئرا ارتوازية في مديرية حرف سفيان يوم 10 يونيو الماضي، كما قصف شاحنة محملة بالأسمنت يوم 29 مايو.
الحديدة:  مديريات التحيتا والخوخة والقناوص، إضافة إلى مدينة الحديدة.
لحج: منطقة الحويمي بمديرية كرش، ومديرية القبيطة،
شبوة: مديرية عسيلان، ومديرية بيحان. وكُسِرَ في الأولى عددٌ من الزحوفات، وتواصلت الاشتباكات والمواجهات على مدى أيام الهدنة، كما تعرضت مناطق وقرى مديرية عسيلان للغارات والقصف المدفعي والصاروخي، نتج عن أحدها تدمير مولد كهربائي في إحدى القرى يوم 24 مايو الماضي.
صعدة: مديريات منبه ورازح وكتاف ورحبان، ومنطقة مندبة بمديرية باقم، وشعب اللوم بمنطقة دماج، إضافة إلى مدينة صعدة وضواحيها، كما شهدت المديريات الغربية في المحافظة تحليقا مستمرا.
الجوف: مديريات المتون، الغيل، والمصلوب. وفيها دارت معارك عنيفة لصد زحوفات قوات المرتزقة، التي أسندت بغارات هستيرية في مناطق متعددة من المديريات الثلاث.
حجة: منطقة المزرق بمديرية حرض ومديريتي خيران وميدي، ومنطقة الجر بمديرية عبس.
المحويت: حلق طيران العدوان في سماء المحافظة، وبالذات في شبام كوكبان.
الضالع: منطقة الصائب في مريس، ومنطقة يعيس بمديرية دمت
البيضاء: منطقة السد في ذي ناعم، ومنطقة السوادية في مديرية الوهبية، ومديرية الزاهر.
استمرار جرائم القاعدة وداعش
أما في المحافظات الواقعة تحت سيطرة القاعدة وداعش وقوات الاحتلال، فقد استمرت الفوضى والاغتيالات وغيرها من الجرائم الإرهابية، كان آخرها اغتيال الجندي حافظ البيتي أثناء وجوده بالقرب من ملاهي الكمسري بمديرية الشيخ عثمان- محافظة عدن، برصاص مسلحي داعش يوم الأربعاء 15 يونيو، واغتيال الشيخ السلفي ياسر الحمومي برصاص مسلحين من القاعدة يستقلان دراجة نارية بالقرب من منزله في مديرية جعار بمحافظة أبين.
وفي محافظة حضرموت، سقط قتلى وجرحى بهجوم لعناصر القاعدة على نقطتين أمنيتين قرب الجسر الصيني والديس في المكلا، وقام عناصر القاعدة بهدم ضريحين، كما تمت في المكلا عملية “استلام وتسليم” بين الاحتلال وتنظيم القاعدة الإرهابي، ووصل إلى المدينة حوالى 200 جندي من المارينز الأمريكي بكامل عرباتهم وعتادهم العسكري، كما دخلت حاملة الطائرات الأمريكية روزفلت إلى خليج عدن مع 6 فرقاطات. وحسب التصنيف الأممي، لا تعد جرائم القاعدة وداعش خروقات للهدنة، مع أن التنظيمين الإرهابيين جزء من أدوات العدوان، ويساندان بقية المرتزقة في معارك تعز ومأرب والبيضاء والجوف وغيرها.
الموقف الأممي
علق المبعوث الدولي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ، على الخروقات بالقول: “إن وقف إطلاق النار إنجاز، وإن حدوث خروقات يهدد فرص الحل”، وأضاف أن هناك التزامًا كاملًا من جميع الأطراف للتوصل إلى حل سلمي.
أما الأمين العام للأمم المتحدة (بان كي مون) فقد دعا جميع الأطراف إلى احترام اتفاق وقف الأعمال القتالية، ورأى المتحدث باسم الأمين العام، (استيفان دوجاريك) أن اتفاق وقف الأعمال القتالية يبدو متماسكًا إلى حد كبير. ويقول مراقبون إن المنظمة الدولية رأت أن الهدنة متماسكة مقارنة بسابقاتها، بينما ذهب آخرون إلى أن الموقف الأممي يوفر غطاء للعدوان كي يواصل جرائمه، ويفشل كل المساعي لإحلال السلام في اليمن.
موقف الوفد الوطني
الناطق باسم جماعة أنصار الله محمد عبدالسلام، قال “إن النوايا تجاه السلام ما زالت غير جادة”، متهما قوات المرتزقة بشن زحف عسكري واسع في جبهة نهم عند البوابة الشرقية للعاصمة، في “تطور خطير يثبت عدم جدية قوى العدوان في وقف الحرب”.
عبد السلام أكد في تصريحاته-قبيل انعقاد مباحثات الكويت- أن هذا التصعيد “يؤكد عدمية مسار أي حوار سياسي في ظل العدوان”. وأضاف أن ذلك “يؤكد ألا فرق بين ما كان عليه الحال قبل إعلان الهدنة وما بعدها”.
وأصدر الوفد الوطني في مشاورات الكويت أكثر من بيان أدان فيها استمرار غارات طيران العدوان والزحف والتحشيد لمرتزقته إلى جانب استمرار الحصار، محذرا من أن ذلك سيقوض جهود السلام.
وأدان الوفد في بيان له يوم 4 مايو التصعيد الخطير الذي قام به طيران العدو السعودي في المحاوجة بنهم، واصفا إياه بأنه “يهدد المفاوضات القائمة في الكويت ويهدف إلى تعطيلها وافشالها”.
وذكر البيان: “لقد حرص الوفد الوطني منذ بدء المفاوضات على التعامل بمسؤولية تجاه كل العراقيل والإعاقات من قبل الطرف الآخر، ومنها الاستفزازات المستمرة في الميدان واستمرار الزحوفات وأعمال التحشيد والقصف بالسلاح الثقيل في معظم جبهات القتال، وذلك استشعاراً من الوفد الوطني لحجم المسؤولية وحرصا على الدفع بالمشاورات نحو الأمام”.
وأكد أن “مبدأ وقف الأعمال القتالية المتفق عليه والصادر عن الأمم المتحدة والذي دخل حيز التنفيذ فجر الحادي عشر من شهر أبريل الماضي يلزم جميع الأطراف بوقف كامل وشامل للأعمال القتالية ورفع القيود التجارية والاقتصادية عن اليمن، وكذلك إزالة القيود عن حرية التنقل للمواطنين من وإلى اليمن، لكن وللأسف فإن الطرف الآخر مازال يتخلى عن الكثير من ذلك حتى الآن”.
ويرى مراقبون أن عدم الالتزام بالهدنة يجعل أي حديث عن نجاح المسار التفاوضي عبثياً، ولا تتعدى أهميته “الاستهلاك الإعلامي”.

قد يعجبك ايضا