يرصد د. خالد زيادة في كتابه الجديد الصادر عن الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة المراحل التي مر بها النظر الإسلامي إلى أوروبا منذ بداية القرن التاسع الميلادي وحتى العصر الحديث، وقد انتقلت نظرة المسلمين خلالها من الازدراء إلى الإعجاب الذي لا يخلو من رواسب العداء.
وقد اعتنى المؤلف بالمصادر المبكرة للجغرافيين المسلمين الأوائل الذين رسموا خرائط العالم وعينوا أقاليمه، وقد استفادوا من الجغرافيا اليونانية وتقسيم العالم إلى سبعة أقاليم، وكان أول تشكل لصورة أوروبا يعود إلى ابن خرداذبة (حوالي 850) الذي ذكر الروم والبرجان والبرغر والصقالبة، ولفترة طويلة احتفظت النظرة الإسلامية بطابعها التقليدي، الذي يمتزج فيها الازدراء باللامبالاة. ولم تفض الحروب الصليبية في القرنين الثاني عشر والثالث عشر إلى إثارة الحشرية لمعرفة الشعوب الأوروبية فأطلقوا عليهم اسماً واحداً هو الفرنجة.
وإثر الحروب الصليبية تزايدت المعلومات عن ممالك أوروبا ومدنها بفضل النشاط التجاري خصوصاً بين المدن في إيطاليا والساحل الشرقي للمتوسط.
ويتعقب المؤلف اضطراد المعلومات في الفترة العثمانية حين ازدادت العلاقات التجارية والسياسية، لكن ذلك لم يبدل كثيراً من حالة العداء والازدراء، وصولاً إلى مطلع القرن الثامن عشر حين تنبه المسلمون إلى تقدم أوروبا العسكري والعلمي، حينها تبدلت النظرة جذرياً وحلّ الإعجاب مكان الازدراء واللامبالاة.
ويولي المؤلف اهتماماً للأدبيات العائدة للقرن التاسع عشر والتي تظهر التأثر بالعلوم والآداب الأوروبية وصولاً إلى المحاولات الفكرية التي سعت إلى فهم العلاقات بين عالم الإسلام وأوروبا.
كتاب خالد زيادة تطور النظرة الإسلامية إلى أوروبا مؤلف شامل وغير مسبوق لجهة الإطار الزمني الذي يتناوله والمصادر التي استند إليها، إضافةً إلى فهم التحولات التي طرأت على العلاقة بين العالمين.
والمؤلف الدكتور خالد زيادة شغل منصب سفير لبنان في القاهرة، والمندوب الدائم لدى جامعة الدول العربية. وصدر له عن الدار المصرية اللبنانية: “الكاتب والسلطان، من الفقيه إلى المثقف” و”الخسيس والنفيس، الرقابة والفساد في المدينة الإسلامية” و”لم يعد لأوروبا ما تقدمه للعرب”.
Next Post