انطباعات من الكويت

محمد المنصور
منذ الإعلان عن انطلاق جولة مفاوضات يمنية جديدة في الكويت على لسان المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أوائل الشهر الماضي تقريبا، راودتني هواجس كثيرة ليست ايجابية في معظمها، تتصل بعلاقة الكويت الوثيقة بالسعودية ومشاركتها في تحالف العدوان، وتتصل أيضا بترسبات أحداث غزو العراق عام 1990م والموقف اليمني الذي وضع في خانة المؤيدين للغزو العراقي الذي ولد استياء رسميا وشعبيا كويتيا وخليجيا من اليمن وقطيعة مازالت آثارها حتى اليوم .
وكان قبول الوفد الوطني الذهاب إلى الكويت من بين خيارات تمثلت في عدد من البلدان من بينها أثيوبيا وعمان والمغرب والأردن وسويسرا ، ويبدو أن دبلوماسية عمانية نشطة رجحت اختيار الكويت لاحتضان المفاوضات التي ما تزال جارية .
ويبدو أن الكوبيتين قدموا طمأنة كافية للوفد الوطني بتسهيل المفاوضات والسعي نحو تقريب وجهات النظر دون تحيز لطرف على حساب آخر ، وهو ما تجلى واضحا في استقبال الوفد الوطني من قبل أمير دولة الكويت وكبار المسؤولين وتأكيده على بذل الجهد حتى تحقيق حل مرض للطرفين يجنب اليمن مزيدا من الدمار والتدهور، كما وعد الأمير بمساهمة الكويت بإعادة الإعمار.
و خلال سير المفاوضات كان حضور الدبلوماسية ?فتا من خلال اللقاءات التي يجري وزير الخارجية الكويتي ونائبه مع وفدي الطرفين ومع الجانب السعودي ،والتي غالبا ما كانت تأتي عقب تعثر سير المفاوضات .
وفي خلفية المشهد لاشك بأن الكويت كانت على تنسيق وتفاهم مع السعودية والإدارة الأمريكية وبقية البلدان المعنية بالشأن اليمني لكي تقدم على خطوة من هذا النوع .
طبعا ثمة رغبة كويتية في إنقاذ السعودية من ورطتها في اليمن التي بدأت تنذر بتداعيات داخلية سياسية واقتصادية واجتماعية جد سلبية ، خاصة بعد مرور عام ونيف على العدوان على اليمن الذي لم يحقق ما كان يتوهمه فريق الحرب بقيادة محمد بن سلمان .
لقد سبقت مشاورات الكويت جولة لقاءات حدودية بين ممثلين ?نصار الله والجانب السعودي قادت إلى تهدئة على الحدود وتبادل للأسرى من الجانبين كتمهيد لوقف العدوان والحرب والدخول في حوار يمني يمني في الكويت .
كان استقبال الوفد الوطني السياسي والإعلامي في مطار الكويت مفاجئا للكثيرين ، فهذا الاستقبال الرسمي لممثلي أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام قد اسقط عمليا تصنيف دول مجلس التعاون الخليجي لأنصار الله في قائمة الإرهاب ، ومثل انتكاسة للأبواق الإعلامية السعودية والخليجية التي دابت على تشويه أنصار الله وشيطنتهم ونعتهم بأقبح النعوت .، وكانت جلسة الافتتاح التي اقتصر نقل وقائعها على القناة الرسمية الكويتية ذا دلالة بالغة على الحياد، وكان الترتيب الجيد لاماكن استضافة وفدي صنعاء والرياض السياسي والإعلامي بما يمنع الاحتكاك أيضا رسالة إيجابية كويتية أخرى .
لم تمنع الحفاوة الرسمية الكويتية والاهتمام بنجاح المفاوضات بعض الصحافة الكويتية من مهاجمة الوفد الوطني بتلك اللغة والتوصيفات التي ظل يطفح بها إعلام العدوان طيلة العدوان، والانحياز السافر للتحالف والمرتزقة، وان كانت حدة الهجوم قد تراجعت في الأيام التالية، تصدر في الكويت عدة صحف يومية أبرزها القبس ،والرأي، والجريدة ، والسياسة ،والشاهد ، وعدة صحف ناطقة بالانكليزية ، وكما هو معروف فللصحافة الكويتية تاريخ عريق على مستوى الخليج والمنطقة تراجع منذ الغزو العراقي .
مشاركة الإعلام الوطني الرسمي والخاص بوفد كبير تمثل بـ 42 صحفيا وإعلاميا يمثلون الفضائيات الرسمية والخاصة، ووكالة سبأ، والإذاعات المحلية ،وبعض الصحف الرسمية والأهلية ، والمواقع الالكترونية ،كان له تأثيره الايجابي في تغطية المفاوضات، وأحداث اختراق على مستوى الصحافة الكويتية والقنوات الفضائية الأخرى والتعبير عن الرأي اليمني الذي ظل مغيبا ومحاصرا بإعلام العدوان المضلل طيلة العدوان .
أصداء المفاوضات بلغت مسامع الشعب الكويتي الشقيق ، وخلال حركتنا في مدينة الكويت كان السؤال من قبل الإخوة الكويتيين الذين التقيناهم عن سير المفاوضات وكان الجميع يتمنى ويسأل الله نجاحها ، وحتى بعد ان يسألك أحدهم هل أنت من وفد الحوثي أم من الوفد الآخر، وتجيبه بأنك من ضمن الوفد الوطني القادم من صنعاء ?تجد ما يدل على عدائية ومواقف مسبقة .
الكويت ليست النفط والثروة والترف والصورة النمطية بل هناك شعب عربي يحمل الود لليمنيين وأجمل الانطباعات عن أمانة المغترب اليمني وشهامته، في الكويت المدينة ثمة نبض ثقافي وحيوية إبداع وتقاليد عريقة وإصدارات ثقافية لخدمة الثقافة العربية، فيها حركة فنون وموسيقى ورياضة، ومتاحف وبنى ثقافية ومناشط متعددة، وعلى الجانب ا?خر تجد كويت ناطحات السحاب والمولات الفارهة التي تضم احدث صرخات الموضة وأغلاها، تجد في مناطق بعينها آ?فا من البشر من الهند وبنغلاديش والفليبين وغيرها ولا تجد كويتيا واحدا ..إنها مشكلة حقيقية تواجه الكويت الشعب الذي يعتمد على العمالة ا?جنبية في كل جانب من جوانب الحياة داخل المنزل وخارجه وفي الوظائف العامة والأسواق والفضاء العام، بما تطرحه تلك المعضلة من مشكلات ثقافية واجتماعية ونفسية ولغوية وتهدد هوية شعب عربي يحاول ان يتشبث بهويته في عالم متغير ، يبدو انه لم يعد للعرب سوى حصد الخيبات .
هذه الانطباعات هي جزء من صورة تتكامل بإضافة الزملاء الإعلاميين الذين مازالوا هناك يبدعون حضورا إعلاميا راقيا بموازاة ما يجترحه الوفد السياسي من أداء مقتدر حشر المرتزقة في زاوية الفضيحة والخيبة .

قد يعجبك ايضا