أنجيلا أبو أصبع.. صانعة حياة في زمن الحرب

عبدالله كمال   

طيلة شهور، تحت القصف، تقود سيارتها التي تحمل عليها بعض المواد الغذائية، والمتطلبات الحياتية العاجلة، متوجهة إلى منطقة ما من العاصمة صنعاء، كي تساعد أسراً نازحة، تفتقر لأبسط الاحتياجات الحياتية، وأخرى تضررت منازلها ومصادر أرزاقها بسبب الحرب، فما إن تصل حتى تستقبلها تلك الأسر التي تعاني القدر الكبير من الفاقة، وكأنها ملاك مرسل من السماء. تجلس  وتقتعد الأرض مع أفراد كل أسرة، وتحتضن الأطفال بكل حب، تبني معهم صداقات وتعطيهم بعض الهدايا.

لقد كان لها النصيب الأوفر من اسمها، فبالرجوع إلى أصله ومعناه نجده بمعنى: الملاك، أو الأنثى الشبيهة بالملاك، وهو في اليونانية بمعنى “جالبة البشائر”.
ليست مسؤولة في إحدى المنظمات الإغاثية الدولية، كما قد يتبادر إلى الذهن، بل هي ابنة هذا الوطن، ابنة هذا المجتمع التي أبت التخلي عنه وهو يمر بأصعب الظروف جراء الحرب الجائرة بما أحدثته من قتل ودمار وتشريد، وموت يتخطف أبناء هذا الوطن من الجو ومن الأرض.
تلك هي الدكتورة أنجيلا يحيى منصور أبو أصبع، الأستاذة الجامعية في كلية اللغات بجامعة صنعاء، والناشطة المدنية، التي اختارت العمل الإنساني والإغاثي في هذه الظروف التي تعصف باليمن وتفاقم من الوضع الإنساني.
تدهشك بنشاطها سواء في أداء عملها كأستاذة جامعية أو في المجال الإنساني، الذي اختارته منذ بداية الحرب أواخر مارس من العام الماضي، عبر مبادرة “معاً لنحيا”، التي أطلقها منتدى أكاديميات جامعة صنعاء، والذي تشغل فيه منصب رئيسه لجنة قضايا المجتمع والبيئة.
مسيرة نجاح
عبر سيرة ذاتية طويلة تتألف من عشر صفحات، تتجلى شخصية أنجيلا، فالحياة في قاموسها ليست إلا سلسلة من العمل الدؤوب، في سبيل الوصول إلى غاية رسمتها مستقبلا وأحكمت التخطيط لها، وآمنت أن لا مناص من بلوغ تلك الغاية، مهما اعترضتها من حواجز لم تكن تتوقعها، إلا أنها مستمدة من سمو غايتها صبرا وإصرارا، يمكنها من تخطي تلك الحواجز والعقبات، فهي الحاصلة على   بكالوريوس في الآداب- لغة إنجليزية، جامعة صنعاء، الجمهورية اليمنية1998م، وماجستير في علم اللغة واللغويات، جامعة بوترا الماليزية((UPM2004م، ودكتوراه في دراسات اللغة الإنجليزية، الجامعة الوطنية الماليزية (UKM) 2011م. إلى جانب تمتعها بالعديد من الخبرات المهنية التي اكتسبتها وأثبتت جدارتها فيها من خلال الوظائف والمناصب الأكاديمية التي شغلتها.
رغم ارتباط أنجيلا بالحياة الأكاديمية ارتباطا كبيرا، إلا أنها لم تكن غائبة عن النشاط الاجتماعي، حيث تعد من الأعضاء البارزين في عدد من المنظمات المدنية ومنها: عضو اتحاد الجالية اليمنية في ماليزيا إذ كانت عضواً في لجنة الشئون الإعلامية، وهي عضو في الجمعية الأمريكية للعلماء والمهنيين اليمنيين، كما أنها استشارية في الاتحاد العربي لأندية اليونسكو في الجمهورية اليمنية، وهي الآن رئيسه لجنة قضايا المجتمع والبيئة في منتدى أكاديميات جامعة صنعاء، رئيسه فريق مبادرة “معاً لنحيا” وهي (منظمة أهلية غير حكومية) دُشنت بتاريخ 25 أبريل 2015م، منتدى أكاديميات جامعة صنعاء.
الوطن.. فكرة ووجدان وحياة
الوطن بالنسبة لأنجيلا، وهي العائدة من غربة طويلة، يعد الجزء من الروح الذي إن فقد فلا شيء يمكنه أن يعوض عنه، هو القضية والانتماء، هو الوجود والوجدان، لذلك فهي ترفض مغادرة البلاد تحت أي ظرف كان رغم حصولها على عقود عمل في عدة دول، تقول: لن أغادر اليمن حتى ولو كنت أنا آخر من بقي فيه.. وذلك حين يتسابق الكثيرون من أبناء هذا الوطن للحصول على فرصة للسفر إلى الخارج، هربا من الحرب وما خلفته من مآسٍ، وما خلقته من أوضاع إنسانية صعبة.
تحدثك ببساطة تستشفها من أول حديث لها معك، غير أنها البساطة التي تنم عن إدراك عميق، إذ تشعر أنك أمام امرأة – رغم حداثة سنها- تختزن في وجدانها الكثير من الوعي بمحيطها على مداه الأوسع أو الأقرب.
تقول أنجيلا: إنه وطني، ولن أغادره وهو في هذه الحال، حتى ولو لم أبق فيه إلا أنا، سأظل أقدم ما أستطيعه من أجل هذا الوطن، حتى بجهدي الذاتي البسيط والمتواضع، وهذا هو مبدأي في الحياة .
إنجيلا الإنسانة
أنجيلا العائدة إلى وطنها منذ سنة تقريبا بعد غيبة عشر سنوات قضتها في دراسة الماجستير والدكتوراه، عادت مليئة بالأمل والنشاط، والتطلع إلى خدمة بلدها، في أي مجال تستطيع أن تسهم فيه، اصطدمت بالوضع الذي تمر به البلاد، ما شكَّل بالنسبة لها حائط الصد الأقسى، أمام ما كانت تتمنى أن تسهم به، إلا أنها بإرادتها القوية وعزيمتها التي لا تلين لم تفقد الأمل، بل اتجهت لتخدم مجتمعها، وفقا لما يقتضيه الوضع والمرحلة.
حيثما حلت أنجيلا أبو أصبع، تحرص على أن تكون لها بصمتها الخاصة، من خلال سعيها الحثيث نحو التميز، وكذا العمل من أجل مساعدة الآخرين، الأمر الذي تعتنقه كمبدأ.
الحياة حلوة
لأنجيلا فلسفتها الخاصة في الحياة، ونظرتها الخاصة أيضا، فالحياة تمضي مهما مر به الإنسان من منغصات، ويجب أن لا تثنيه عن الهدف والغاية، كما أنه الحياة يجب أن لا تقف عند نقطة ما، مهما كانت تعيسة، بل على الإنسان أن يبتعد عن كل ما يكدر حياته، ويستأنف حياته وفقا لسعادته التي يصنعها هو.. فالحياة جميلة جدا، وعلى الإنسان أن يعيشها بحلوها ومرها، وهو من بيده أن يصنع السعادة لحياته، وهو أيضا من بيده أن يكدرها ويضفي عليها الصبغة السوداوية.
تقول أنجيلا: تبرز قيمة الإنسان في الحياة بمقدار ما يمكن أن يقدمه لنفسه، أولا ثم لمن حوله، فبمقابل اهتمامنا بتنمية ذواتنا، يجب أن لا نعيش في برج عاجي بعيدا عن معاناة الآخرين، بل علينا ننخرط في محيطنا، ونتلمس حاجاته، وأن تتسم حياتنا بالإيجابية، فنحاول تقديم ما يمكن أن نساعد به الآخرين.
رسالة
لا يفوت من يعرف أنجيلا أو التقاها واستمع إليها إدراك الكثير من سماتها الشخصية، ومن أهمها الصبر والمثابرة والقدرة على مواجهة الصعاب والتغلب عليها، فهي ترى أن أي طريق مهما بلغت وعورته، لا يمكن أن يثنيها عن الوصول لهدفها.
تؤمن بالعلم والمدنية، وتنبذ العنف، وترى أن رسالتها هي العمل على التغيير والإسهام في انتشال اليمن من هذا الواقع المؤلم، تقول أنجيلا: أحبوا وطنكم، وأحبوا من حولكم، التفتوا إلى البسطاء من أبناء هذا الشعب، واقتربوا من حياتهم، ترجلوا عن سياراتكم الفارهة وامشوا بين الناس، تلمسوا احتياجاتهم، فهم أحوج ما يكونون إلى المساعد، وبالأخص في هذه الفترة وهذه الظروف.
وتختتم: كفانا حرباً، يكفي دماء، يكفي دماراً، كيف سنقابل العالم ونحن نفرط في وطننا، وهل يمكن لبلدان الشتات أن تمنحنا ما يمنحنا هذا الوطن!

قد يعجبك ايضا