تنازع النفوذ بليبيا يهدد بتقسيم البلاد

طرابلس/ وكالات
بلغت الأزمات السياسية والأمنية والمعيشية في ليبيا درجة من الحدة غير مسبوقة، وهي الآن منقسمة عمليا بين أربع حكومات، واحدة بطبرق، واثنتان بطرابلس، وواحدة في سرت!
وتدل الكثير من المؤشرات والأحداث أن هذه الحكومات المتنافسة لا تمانع ضمنيا في “التكيف” مع الوضع القائم، ما يهدد وحدة البلاد الترابية، وخاصة بعد أن تعرضت سيادتها إلى انتهاكات صارخة، بما في ذلك من دول كانت تدور في فلك طرابلس قبل الإطاحة بالقذافي مثل السودان وتشاد، ناهيك عن املاءات الدول الكبرى وأدوارها الغامضة كالولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا.
وعلى الرغم من رفض القيادة العامة للجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر، القوة الرئيسة الآن في المنطقة لتقسيم البلاد، وإعلان حفتر مؤخرا انطلاق عملية عسكرية لافتكاك مدينة سرت من قبضة داعش، إلا أن خصومه يتهمونه باحتلال حقول النفط في اليومين الماضيين في حوض زلة – مرادة، جنوب شرق اجدابيا بذريعة الحرب على “داعش”.
والحقول التي يدور حولها الحديث هي حقل المبروك، والغاني، والظهرة، والباهي، وهي معطلة بعد أن تعرضت العام الماضي لهجمات تخريبية قامت بها أرتال تابعة لتنظيم “داعش” انطلاقا من منطقة النوفلية القريبة من بن جواد، وقد دخلتها مؤخرا قوات تابعة لحفتر بغرض تأمينها، بحسب مصادر مقربة من حكومة طبرق.
وبالمقابل، لم تثر الهجمات الخطيرة التي قام بها داعش شرق وجنوب مدينة مصراتة، أي ردات فعل عملية باستثناء تشكيل حكومتي طرابلس برئاسة خليفة الغويل، وفايز السراج، غرفتي عمليات منفصلتين لمواجهة “داعش” في سرت والمناطق المحيطة بها، في محاولة لمنع حفتر من اجتياز منطقة الوادي الأحمر، الحد الفاصل بين إقليمي برقة وطرابلس.
كل ذلك يشكل ما يمكن وصفه بشبح الانفصال، بغض النظر عن المواقف الرسمية المعلنة والتي تؤكد فيها الأطراف الخارجية والداخلية حرصها على وحدة التراب الليبي، إلا أن الأمور تتجه إلى النقيض من ذلك، بخاصة أن الأمم المتحدة في شخص مبعوثها إلى ليبيا مارتن كوبلر، تحاول إثناء حفتر عن الانطلاق غربا نحو سرت، وتأجيل المواجهة مع “داعش” إلى ما بعد مصادقة مجلس النواب على حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج.
وتستميت مراكز القوى بهذا البلد في الدفاع عن مصالحها، والتمسك بمكاسبها، والإصرار على عدم التفريط في نفوذها، وتغيير “الأمر الواقع” القائم على الأرض بين فرقاء تتوزع بينهم مقدرات ليبيا السياسية والاقتصادية والعسكرية، في معسكرات متعددة منحت نفسها “شرعية” وراثة النظام.
هذا الوضع أعاق جهود الأمم المتحدة لإقامة حكومة وفاق وطني تقضي على الانقسام بين شرق البلاد وغربها، إلا أن هذه الجهود أصيبت بالشلل في مرحلتها النهائية بـ”عجز” مجلس النواب عن المصادقة على حكومة التوافق، إضافة إلى أن حكومة خليفة الغويل الموازية ظلت محتفظة بصلاحياتها، وانضمت بذلك حكومة ثالثة إلى سباق المنافسة على الشرعية والنفوذ.
أما الحكومة الرابعة فهي تلك التي يديرها “داعش” في سرت ومناطق واسعة حولها منذ العام الماضي، حكومة أقامت سلطتها “العنيفة” في المناطق التي تسيطر عليها بمؤازرة أعداد كبيرة من المسلحين الأجانب وبضعة “وُلاة وقادة” أرسلهم البغدادي إلى هناك.
ومن الغريب أن “إمارة” سرت تتمدد ويصول ويجول مسلحوها شرقا وغربا من دون أي مقاومة جدية من قبل التشكيلات المسلحة التابعة لطرابلس، في حين تقف هذه الحكومة ضد حفتر وترسل إمدادات متنوعة إلى خصومه المتحصنين في معاقلهم ببنغازي.
وإذا استمر حال الانقسام على ما هو عليه وتوابعه من انهيار الخدمات، وانهيار العملة المحلية وانتشار الجريمة بدرجة مفزعة، فقد ينكفئ حفتر بقواته إلى الشرق بخاصة أن القتال في بنغازي يشارف على الانتهاء. ويجد حفتر نفسه بين خيارين، إما الرضوخ لحكومة التوافق، ما يعني انتهاء دوره العسكري والسياسي بعزله عن قيادة الجيش، أو الاكتفاء بإقليم برقة إلى حين إشعار آخر، خاصة إذا ازدادت الضغوط الدولية عليه لمنعه من التقدم نحو سرت.
وفي نفس الوقت، لا تبدو مراكز القوى غرب البلاد مكترثة لمثل هذا السيناريو، والكثير منها مستعد للقبول بتقاسم “الغنيمة” إذا كان ذلك يضمن مصالحه.
ويقف معظم الليبيين في هذا الخضم ضد هذا الاتجاه، إلا أن مصاعبهم الحياتية المتزايدة وتدهور الأوضاع الأمنية، وسطوة المليشيات متعددة المشارب لن تترك لهم فرصة للاختيار.
ويظل شبح التقسيم ماثلا يهدد وحدة ليبيا، وهو لن يختفي إلا إذا تغير الوضع القائم بمعجزة تعيد ترتيب الأوضاع في هذا البلد بشكل جذري.

قد يعجبك ايضا