> هكذا اغتال طيران العدو أفراح ” سنبان”
> إصابة 78 شخصاً جلهم من النساء والأطفال، بينما عدد المصابين من الأطفال وصل إلى ١١ طفلاً بعضهم لديه إصابات دائمة
> ١٣٤ شهيدا وجريحا, من ضمنهم العرسان, وعشرات الأطفال في مجزرة سنبان
الثورة/ صقر أبوحسن
كانت ستمضي أيام ” جُود” هنيةً في كنف أسرتها, وتكمل تعليمها لتصبح ما تريد, لكن العدوان حول جسدها الغض إلى أشلاء متفحمة, لتبقى صورة موجعة ليوميات الموت في اليمن.
جوُد محمد جمال السنباني ذات ال “خمس سنوات” أطفأت ابتسامتها طائرة كانت تتربص بمساء منطقتها في السابع من أكتوبر الماضي وفي ثوانٍ حولت مراسيم العرس الذي كانت جُود أحد ملائكته الصغيرة إلى وجع ما تزال جراحة دامية, لم تبرد بعد.
عندما عاثت طائرات العدوان, فسادها في اليمن, كانت أسرة “غوبة” تحضر لعرس ثلاثة من أبنائها في قرية سنبان بمديرية ميفعة عنس بمحافظة ذمار, ولم يكن في حساب أحد أن يكون العرس هو الهدف التالي في قائمة القتل العبثي لتلك الطائرات, ” اهتز منزلي الواقع بإطراف القرية وتبعثر كل شيء أمامي من شدة الانفجار, لحظتها اعتقدت أن منزلي قصف, وعندما تلاشى الغبار تعالت أصوات النحيب وتسرب الخوف إلى أطرافي”, يصف محمد السنباني اللحظات الأولى لتلك المأساة, ويزيد حديثه بوجع: اختلطت كل الأشياء ببعضها وصعب التمييز بين الأشلاء.
لحظات فقط هي الفاصلة بين منزل “محمد صالح غوبة” قبل القصف وهو يحاط بالزغاريد ورائحة الفل وأصوات الفرح, وبعد القصف الذي حوله إلى أنقاض تجثم على أشلاء وجثث العشرات من الأبرياء, في تلك الليلة الدامية التي راح ضحيتها 134 شهيدا وجريحا, من ضمنهم العرسان, وعشرات الأطفال بينهم “جوُد”, ووالدتها وإخوانها وجدها, وحشد هائل من أقربائها.
لم تستطع قرية سنبان وحدها حمل أعداد من الشهداء في تلك المجزرة, لذلك تحملت معها قرية “الخربة”، المجاورة ” 17 ” شهيداً معظمهم من النساء ، كما احتملت قرية “صباح” من الكارثة المفجعة شهيدين أثنين , لم تكتمل مراسيم ذلك العرس لكن تفاصيله تجول حالياً في ذاكرة اليمنيين.
يقول رئيس غرفة الرصد والتوثيق لجرائم العدوان وحصر النازحين بمحافظة ذمار(عبدالرحمن القادري), انه تم توثيق استشهاد 54 شخصاً بينهم خمسة أطفال في مجزرة سنبان لتكون بذلك أروع مجزرة تشهدها المحافظة منذ بداية العدوان على اليمن.
ويشير إلى إصابة 78 شخصاً جلهم من النساء والأطفال, حيث وصل عدد المصابين من الأطفال إلى 11 طفلاً بعضهم لديه إصابات دائمة وعاهات.
وعن الأضرار المادية يقول القاداري, إن الغارة دمرت ثلاثة منازل, و 15 سيارة ودراجة نارية, تعود ملكيتها لأسرة آل الغوبة وأهالي قريتي سنبان والخربة.
أرقام وجرائم
كانت مدينة ذمار قد شهدت صباح يوم السبت 14- 4 – 2015 م أولى الغارات الجوية مستهدفه مدرسة تدريب قوات الحرس الجمهوري غربي المدينة, ومساء ذات اليوم استهداف طيران العدوان ذات المكان, ونتج عن تلك الغارة استشهاد شخص واحد وإصابة ثلاثة آخرين كما, طال الخراب مدرسة تدريب الحرس وسبعة منازل جوار المكان.
وبحسب القادري فإنه، تم رصد خلال الفترة 14- 4 – 2015 م حتى 3-2-2016 م رصد( 41 )غارة جوية. استشهد فيها 151 شخصاً وتسببت بإصابة 234 شخصاً آخرين, كما طال التدمير 256 منزلاً و 17 محلاً تجارياً, و 3 آليات نقل, و 22 سيارة, و 42 منشأة حكومية, و 3 طرق عامة, وممتلكات زراعية, وثلاث مركبات حكومية, ثلاثة عنابر تتبع القطاع الخاص, ومصنع مواد غذائية. وذلك بحسب توثيق لغرفة الرصد والتوثيق التي يرأسها القادري نفسه.
لم تتوقف بشاعة العدوان عند هذا الحد, بل أيضاً تجاوزت ذلك إلى ما هو ابعد, فقد نفقت المواشي والدواجن, ففي فترة عملية الرصد, نفقت بسبب تلك الغارات ( 80 ) رأساً من المواشي, ونفقت أيضاً نحو مائة ألف دجاجة في سلسلة غارات استهدفت مرزعة مهرس للدواجن.
أهالي سنبان, فقدوا مأوىً وأحبّة في تلك المأساة, هم ليسوا أرقامًا، ولكنهم كثيرو العدد، من يكترث لسماع قصص شخصية عن كل ضحية يمني يموت تحت الأنقاض أو بفعل القصف المباشر لطائرات العدوان, مع ذلك تسرب الحزن إلى قلوب المواطنين في ذمار, وضج العالم لدى سماعه تلك القصص الإنسانية عن المجزرة, لتتبنى منظمات دولية حملات لكشف حقيقة تلك القصة الموجعة في تاريخ العدوان, وأوصلت القضية إلى الكثير من المحافل الدولية, “جنيف” أيضاً كانت الوجهة, فقد نشر ناشطون حقوقيون صوراً عن تلك المأساة, لتكشف مدى وحشية ما يواجهه اليمن.
أصوات نشاز
وبينما كانت الأصوات تثير نقاشات عميقة عن المجزرة وتفاصيلها الموجعة, كانت هناك أيضاً أصوات نشاز تتحدث بتفاصيل تجانب دائما الحقيقة, للفت اهتمام الناس نحو اتجاه مجانب للواقع, وادخارهم لمعارك كلامية لامتصاص غضبهم المتزايد من جرائم العدوان في اليمن.
“هو صاروخ حوثي”,” العملية استهدف فيها شخصية سياسية”,” قبل دقائق كانت شخصيات كبيرة تمر من المنطقة”, تلك بعض الأنباء التي روج لها إعلام المرتزقة وأصواتهم النشاز, والتي كشفت تتالي الأيام أنها عارية تماماً عن الصحة.
“الكعك” الذي أعد خصيصاً كوجبات خفيفة لضيوف العرس في سنبان, تناثر في أنحاء المكان, ولم يعد يكثرت له احد بعد ان اختلط بدماء من صنعنه.
نقيب الكادحين والعمال
طوال سنوات عمره وهو يناضل من أجل العمال والكادحين والبسطاء ومطحوني المجتمع, وفي ذلك المساء الحزين أطفأت طائرة العدوان, صوته إلى الأبد” ذلك هو المناضل والنقابي الأول “جمال صالح السنباني” الذي قتل مع أغلب أفراد أسرته في ليلتهم الفرائحية التي تحولت إلى مجزرة بشعة , لم يسبق لها مثيل في تاريخ اليمن الحديث.
هو أبو النقابات العمالية الذمارية, منذ تأسيسها على يديه في بداية سبعينيات القرن الماضي, عندما أسس وتولى زمام قيادة نقابة النقل المخصصة لأصحاب وسائل المواصلات.
يتذكر المناضل “على المسعدي” أن جمال السنباني كان أباً لكل السائقين يتابع قضاياهم في كل المستويات وعند كل الجهات بمختلف مسمياتها.
تدرج في سلم العمل النقابي ليصل إلى كرسي نائب رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال اليمن, انطفأ صوت هذا الرجل العصامي, وسط صرخات الوجع والنوح والدموع, ليكون بطلاً في ذاكرة الأجيال القادمة كما انطفأت معه ” جود ” وعشرات آخرون من أقاربه ومعارفه في تلك الغارات الهمجية الغادرة للعدوان الغاشم.