خالد البحري
ﻓﻲ ﻋﺎﻡ 1989م ﺿﺮﺏ ﺯﻟﺰﺍﻝ ﻣﺪﻣﺮ “ﺃﺭﻣﻴﻨﻴﺎ”،ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺃﻗﺴﻰ ﺯﻻﺯﻝ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻭﺃﻭﺩﻯ ﺑﺤﻴﺎﺓ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺧﻤﺴﺔ ﻭﻋﺸﺮﻳﻦ ﺃﻟﻒ ﺷﺨﺺ ﺧﻼﻝ ﻋﺪﺓ ﺩﻗﺎﺋﻖ ﻭﻟﻘﺪ ﺷﻠﺖ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺿﺮﺑﻬﺎ ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻭﺗﺤﻮﻟﺖ ﺇﻟﻰ ﺧﺮﺍﺋﺐ ﻣﺘﺮﺍﻛﻤﺔ..
ﻭﻋﻠﻰ ﻃﺮﻑ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻛﺎﻥ ﻳﺴﻜﻦ ﻓﻼﺡ ﻣﻊ ﺯﻭﺟﺘﻪ،ﺗﺨﻠﺨﻞ ﻣﻨﺰﻟﻪ ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﺴﻘﻂ، ﻭﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺍﻃﻤﺄﻥ ﻋﻠﻰ ﺯﻭﺟﺘﻪ ﺗﺮﻛﻬﺎ ﺑﺎﻟﻤﻨﺰﻝ ﻭﺍﻧﻄﻠﻖ ﺭﺍﻛﻀﺎً ﻧﺤﻮ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ الابتدائية ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺪﺭﺱ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﺑﻨﻪ ﻭﺍﻟﻮﺍﻗﻌﺔ ﻓﻲ ﻭﺳﻂ ﺍﻟﺒﻠﺪﺓ ﺍﻟﻤﻨﻜﻮﺑﺔ.
ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻭﺻﻞ ﻭﺇﺫﺍ ﺑﻪ ﻳﺸﺎﻫﺪ ﻣﺒﻨﻰ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ ﻭﻗﺪ ﺗﺤﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺣﻄﺎﻡ،ﻟﺤﻈﺘﻬﺎ ﻭﻗﻒ ﻣﺬﻫﻮﻻً ﻭﺍﺟﻤﺎً ،ﻟﻜﻦ ﻭﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺗﻠﻘﻰ ﺍﻟﺼﺪﻣﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻣﺎ ﻫﻲ ﺇﻻ ﻟﺤﻈﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻭﺗﺬﻛﺮ ﺟﻤﻠﺘﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﻳﺮﺩﺩﻫﺎ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻻﺑﻨﻪ ﻭﻳﻘﻮﻝ ﻟﻪ ﻓﻴﻬﺎ :
ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺳﺄﻛﻮﻥ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻫﻨﺎﻙ ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻚ.
ﻭﺑﺪﺃﺕ ﺍﻟﺪﻣﻮﻉ ﺗﻨﻬﻤﺮ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻨﺘﻴﻪ،ﻭﻣﺎ ﻫﻲ ﺇﻻ ﻟﺤﻈﺔ ﺛﺎﻟﺜﺔ ﺇﻻ ﻭﻫﻮ ﻳﺴﺘﻨﻬﺾ ﻗﻮﺓ ﺇﺭﺍﺩﺗﻪ ﻭﻳﻤﺴﺢ ﺍﻟﺪﻣﻮﻉ ﺑﻴﺪﻳﻪ ﻭﻳﺮﻛﺰ ﺗﻔﻜﻴﺮﻩ ﻭﻧﻈﺮﻩ ﻧﺤﻮ ﻛﻮﻣﺔ ﺍﻷﻧﻘﺎﺽ ﻟﻴﺤﺪﺩ ﻣﻮﻗﻊ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﻲ ﻻﺑﻨﻪ ﻭﺇﺫﺍ ﺑﻪ ﻳﺘﺬﻛﺮ ﺃﻥ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﻛﺎﻥ ﻳﻘﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﻛﻦ ﺍﻟﺨﻠﻔﻲ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﺍﻟﻴﻤﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺒﻨﻰ.
ﻭﻟﻢ ﺗﻤﺮ ﻏﻴﺮ ﻟﺤﻈﺎﺕ ﺇﻻ ﻭﻫﻮ ﻳﻨﻄﻠﻖ ﺇﻟﻰ ﻫﻨﺎﻙ ﻭﻳﺠﺜﻮ ﻋﻠﻰ ﺭﻛﺒﺘﻴﻪ ﻭﻳﺒﺪﺃ ﺑﺎﻟﺤﻔﺮ، ﻭﺳﻂ ﻳﺄﺱ ﻭﺫﻫﻮﻝ ﺍﻵﺑﺎﺀ ﻭﺍﻟﻨﺎﺱ ﺍﻟﻌﺎﺟﺰﻳﻦ.
ﺣﺎﻭﻝ ﺃﺑﻮﺍﻥ ﺃﻥ ﻳﺠﺮﺍﻩ ﺑﻌﻴﺪﺍً ﻗﺎﺋﻠﻴﻦ ﻟﻪ: ﻟﻘﺪ ﻓﺎﺕ ﺍﻷﻭﺍﻥ، ﻟﻘﺪ ﻣﺎﺗﻮﺍ، ﻓﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻨﻪ ﺇﻻ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ ﻟﻬﻤﺎ:
ﻫﻞ ﺳﺘﺴﺎﻋﺪﺍﻧﻨﻲ؟!
ﻭﺍﺳﺘﻤﺮ ﻳﺤﻔﺮ ﻭﻳﺰﻳﻞ ﺍﻷﺣﺠﺎﺭ ﺣﺠﺮﺍً ﻭﺭﺍﺀ ﺣﺠﺮ، ﺛﻢ ﺃﺗﺎﻩ ﺭﺟﻞ ﺇﻃﻔﺎﺀ ﻳﺮﻳﺪﻩ ﺃﻥ ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻷﻧﻪ ﺑﻔﻌﻠﻪ ﻫﺬﺍ ﻗﺪ ﻳﺘﺴﺒﺐ ﺑﺈﺷﻌﺎﻝ ﺣﺮﻳﻖ، ﻓﺮﻓﻊ ﺭﺃﺳﻪ ﻗﺎﺋﻼً :
ﻫﻞ ﺳﺘﺴﺎﻋﺪﻧﻲ؟!
ﻭﺍﺳﺘﻤﺮ ﻓﻲ ﻣﺤﺎﻭﻻﺗﻪ ،ﻭﺃﺗﺎﻩ ﺭﺟﺎﻝ ﺍﻟﺸﺮﻃﺔ ﻳﻌﺘﻘﺪﻭﻥ ﺃﻧﻪ ﻗﺪ ﺟﻦ ،ﻭﻗﺎﻟﻮﺍ ﻟﻪ: ﺇﻧﻚ ﺑﺤﻔﺮﻙ ﻫﺬﺍ ﻗﺪ ﺗﺴﺒﺐ ﺧﻄﺮﺍً ﻭﻫﺪﻣﺎً ﺃﻛﺜﺮ، ﻓﺼﺮﺥ ﺑﺎﻟﺠﻤﻴﻊ ﻗﺎﺋﻼ:
ﺇﻣﺎ ﺃﻥ ﺗﺴﺎﻋﺪﻭﻧﻲ ﺃﻭ ﺍﺗﺮﻛﻮﻧﻲ،
ﻭﻓﻌﻼ ﺗﺮﻛﻮﻩ، ﻭﻳﻘﺎﻝ ﺃﻧﻪ ﺍﺳﺘﻤﺮ ﻳﺤﻔﺮ ﻭﻳﺰﻳﺢ ﺍﻷﺣﺠﺎﺭ ﺑﺪﻭﻥ ﻛﻠﻞ ﺃﻭ ﻣﻠﻞ ﺑﻴﺪﻳﻪ ﺍﻟﻨﺎﺯﻓﺘﻴﻦ ﻟﻤﺪﺓ 37 ﺳﺎﻋﺔ ،ﻭﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺃﺯﺍﺡ ﺣﺠﺮﺍً ﻛﺒﻴﺮﺍً ﺑﺎﻧﺖ ﻟﻪ ﻓﺠﻮﺓ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﺪﺧﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﺼﺎﺡ ﻳﻨﺎﺩﻱ:
“اﺭﻣﺎﻧﺪ”، ﻓﺄﺗﺎﻩ ﺻﻮﺕ ﺍﺑﻨﻪ ﻳﻘﻮﻝ : ﺃﻧﺎ ﻫﻨﺎ ﻳﺎ ﺃﺑﻲ، ﻟﻘﺪ ﻗﻠﺖ ﻟﺰﻣﻼﺋﻲ ،ﻻ ﺗﺨﺎﻓﻮﺍ ﻓﺄﺑﻲ ﺳﻮﻑ ﻳﺄﺗﻲ ﻟﻴﻨﻘﺬﻧﻲ ﻭﻳﻨﻘﺬﻛﻢ ﻷﻧﻪ ﻭﻋﺪﻧﻲ ﺃﻧﻪ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺳﻮﻑ ﻳﻜﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻲ.
ﻣﺎﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻼﻣﻴﺬ 14،ﻭﺧﺮﺝ 33 ﻛﺎﻥ ﺁﺧﺮ ﻣﻦ ﺧﺮﺝ ﻣﻨﻬﻢ “ﺍﺭﻣﺎﻧﺪ”، ﻭﻟﻮ ﺃﻥ ﺇﻧﻘﺎﺫﻫﻢ ﺗﺄﺧﺮ ﻋﺪﺓ ﺳﺎﻋﺎﺕ ﺃﺧﺮﻯ ﻟﻤﺎﺗﻮﺍ ﺟﻤﻴﻌﺎ، ﻭﺍﻟﺬﻱ ﺳﺎﻋﺪﻫﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻜﻮﺙ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺒﻨﻰ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺍﻧﻬﺎﺭ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﺍﻟﻤﺜﻠﺚ، ﻧﻘﻞ ﺍﻟﻮﺍﻟﺪ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻟﻠﻤﺴﺘﺸﻔﻰ، ﻭﺧﺮﺝ ﺑﻌﺪ ﻋﺪﺓ ﺃﺳﺎﺑﻴﻊ.
ﻭﺍﻟﻮﺍﻟﺪ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻣﺘﻘﺎﻋﺪ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻳﻌﻴﺶ ﻣﻊ ﺯﻭﺟﺘﻪ ﻭﺍﺑﻨﻪ ﺍﻟﻤﻬﻨﺪﺱ ، ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺻﺒﺢ ﻫﻮ ﺍﻵﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﻮﻝ ﻟﻮﺍﻟﺪﻩ:
ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺳﺄﻛﻮﻥ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻚ!
الحكمة والعبرة مما تناولناه في المقالة
ﺇﻥ ﺍﻟﺮﻏﺒﺔ ﻭﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺗﺨﻄﻲ ﺍﻟﺼﻌﺎﺏ ﻭﺗﺠﺎﻭﺯ ﺍﻟﻤﺤﺒﻄﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﺜﺒﻄﺎﺕ إنما ﻫﻲ ﺳﻤﺔ ﺍﻟﻨﺎجحين، ﻭﻋﻠﻴﻪ ﻻﺑﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻤﺴﻚ ﺑﺮﻏﺒﺎﺗﻨﺎ ﻭﻃﻤﻮﺣﺎﺗﻨﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﻜﻠﻞ ﺑﺎﻟﺘﻄﺒﻴﻖ ﺍﻟﻌﻤﻠﻲ ﻓﻲ ﺃﺭﺽ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﻭﻟﻮ ﺑﻌﺪ ﺣﻴﻦ
ﺇﻥ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﻫﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﻜﺚ ﻓﻲ ﻋﻘﻠﻚ ﺍﻟﺒﺎﻃﻦ ﻭﺗﺤﺮﻛﻚ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﻣﺎ ﺗﺮﻳﺪ ﻭﺗﻌﻄﻴﻚ ﺍﻟﺪﺍﻓﻊ ﻭﺍﻟﺤﺎﻓﺰ.. ﻓﻲ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﻫﺪﻓﻚ ﻭﺗﻤﻜﻨﻚ ﻣﻦ ﺗﺬﻟﻴﻞ ﺍﻟﺼﻌﺎﺏ ﻭﺗﺤﺪﻱ ﺍﻟﻤﻌﻮﻗﺎﺕ ﻹﻛﻤﺎﻝ ﻃﺮﻳﻘﻚ ﻭﺇﻧﺠﺎﺯ ﻣﺒﺘﻐﺎﻙ ﻣﻬﻤﺎ ﺻﻌﺐ ﺍﻟﻤﺸﻮﺍﺭ.