تحقيق / محمد محمد إبراهيم
* بشكل رسمي، أو من قبيل المبادرة الذاتية، وجدت صنعاء التاريخ نفسها طليقة الضجيج والظلام، لتزفُّ أعراسها وتدير تجارتها وأسواقها وسماسرها، وتنير منازلها ومجالسها الياجورية الشاهقة، وأزقتها العتيقة بضوء من وهج الطبيعة، وطاقتها المتجددة.. لتتنفس النور خارج نفايات وعوادم العصر المثقل بفوضى أكسدة البيئة.. إنها قناديل الطاقة الشمسية التي أنارت كل بيت يمني في مأزقٍ تاريخي إن كان من كوارثه انهيار منظومة وطنية كاملة من الكهرباء العمومية عبر خارطة البلاد، فإن من حسناته هو إيقاظ غريزة الاعتماد الذاتي لدى الإنسان اليمني، وبمستوى عال من الصمود، في مواجهة حقائق الواقع الماثلة، فاتجه إلى البدائل المتاحة في الطبيعة، وكانت الشمس هي الأكثر قرباً لمتناول عاصمة الحضارة والتاريخ (صنعاء) التي لم تفقد حيلةً في مواصلة البقاء وحيازة الصدارة على مرّ العصور وعلى مختلف الأزمات العصيبة.. وها هي اليوم صنعاء في زمن العدوان حيث أعلن تجار الحروب، وأرباب العمالة والتخريب، إغراق اليمن في الظلام، وقطع تيار الكهرباء، وإطفاء قناديله العصرية، التي تلاشت تدريجياً منذ خمس سنوات من الصراعات، في كل مدن اليمن، لتصل في منتصف العام 2015م وتحت ضربات العدوان، إلى قلب اليمن صنعاء.. وفي هذه اللحظة التي تعني نعي منظومة اليمن الوطنية للكهرباء، نظرت صنعاء الإنسانية ومدينة سام بن نوح، باسمة إلى ضوء الشمس لتقاسميها مصابيح الصمود أمام عدوان الظلام…
* فاض في البال ألف حديث وحديث، وأنا أتجول في صنعاء القديمة دخولاً من باب اليمن ووصولاً إلى قلب سمسرة النحاس، حول مدينة تعمّر الضحى بمشاهد من حياتها المعتادة منذ الأزل، عابرون يقاسمون الحركة خطى وئيدة، وعقول تعربد في إدراكها دهشة المكان، ومتسوقون ويملأون أزقتها سيراً إلى حاجاتهم اليومية، ومحلات تجارية مشرعة الأبواب، مضاءة بمصابيح تتراقص أضواءها بغرور في وهج النهار، ربما لأنها منارة بمصابيح الطاقة الشمسية التي خلّصت صنعاء من طغيان الظلام في زمن العدوان.. وفي سمسرة النحاس (قلب صنعاء القديمة) تنار المحلات بقناديل كافية لتبديد عتمة اليأس، بمصابيح الأمل، وتكفي لإيقاد روح العمل اليومي، في ظل وطن يعيش بلا منظومة كهربائية، لا يخلو منها أي بلد في العالم مهما كانت درجة الفقر والعوز التي يعيشها.. سألت أحد أصحاب محلات السمسرة (بائع العقيق) عن الإنارة بالطاقة الشمسية هل هي عامة من الدولة أم مبادرات ذاتية.. فأكد لي أنها مبادرات ذاتية وأن الحكومة ممثلة بوزارة الكهرباء وعدت تجار السمسرة، بمشروع متكامل للطاقة الشمسية لإضاءة سمسرة النحاس، كواحد من أهم أسواق صنعاء القديمة، التي سيشملها المشروع.. لكن حتى اللحظة لم يبدأ المشروع بعد..
* الأهم من هذه المبادرات الذاتية أن شوارع وواجهات صنعاء القديمة، بدأت تنار بالطاقة الشمسية خصوصاً تلك الواجهات المطلة على السائلة ابتداء من حَيّ القاسمي، ومروراً بالأحياء والواجهات المطلة على السائلة قبالة بستان السلطان وقبة المهدي وسوق السبح والمدرسة الطبرية، في مشهدٍ جميل، فأعمدة الكهرباء هي نفسها أعمدة الطاقة الشمسية حيث يتم وضع لوح شمسي في قمة العمود ببطارية صغيرة ولمبة مناسبة أو قنديلين، وكل عمود يحمل اللوح المناسب لحجمه.. تفاصيل فنية بسيطة تنير شوارع صنعاء، وهو المشروع الذي إذا ما استمر، وأصرت الجهات المعنية على تطويره فهو طموح وعصري من الدرجة الأولى.. يأتي هذا المشروع في إطار خطة الوزارة وبرنامجها لإنارة ميادين وساحات صنعاء القديمة بالطاقة الشمسية واستكمالا للمرحلة الأولى من مشروع توفير خدمة الإنارة في الشوارع الرئيسية والمباني والمرافق الحكومية والميادين العامة في أمانة العاصمة باستخدام الطاقة الشمسية كبدائل للانقطاع الكلي للتيار الكهربائي .
خلاصة القول أن المشروع نواة ناجحة.. لكن السؤال الأهم فيه، هو هل ستنجح الحكومة في خوض معركة ذاتية لاستغلال الطاقة المتجددة والاستفادة منها، حتى في حال عاد التيار الكهربائي..؟ خصوصاً في صنعاء القديمة فمثلها يجب أن يرتبط ضوؤها بالطبيعة فقط.. وسيتفنن الإنسان اليمني في إنارة عاصمته بإبداع يليق بها، وبأشكال لا تخطر على بال..