فايز محيي الدين البخاري –
لا يكاد زائر يزور محافظة إب الخضراء إلا وعرج على شلالات المشنة التي تحاذي مركز محافظة إب من جهة الشرق وتطل عليها مباشرة من خلال جبل ريمان الذي تتدفق تلك الشلالات من أحضانه لتشكل منظراٍ طبيعياٍ بديعاٍ قل أن تجد له مثيلاٍ في الكثير من مناطق اليمن فضلاٍ عن أن جبل بعدان كما اصطلح على تسميته والذي هو في الأصل جبل ريمان يشتهر بخصوبة تربته التي تساعد على نمو المحاصيل الزراعية وتسمح للحشائش الفريدة والجميلة التي تزين هذا الجبل الفتان بالنمو في بقية المساحات التي لا يتم استزراعها.
حين يصل المرء إلى أعلى جبل بعدان يدهشه المنظر البديع الذي يتراءى له على مرمى البصر فهو يستطيع رؤية مدينة جبلة التاريخية بكل وضوح إضافة إلى رؤية مدينة إب بأكملها حيث وموقع جبل ريمان يسمح برؤيتها ورؤية كل المناطق التي تحيط بها من جهة الغرب وجهة الجنوب وجهة الشمال وهو بحق يعتبر الحارس الأمين لمدينة إب الساحرة.
والغريب في الأمر أن الغالبية العظمى من الناس تطلق عليه اسم جبل بعدان وهذا يعود لوقوعه ضمن النطاق الجغرافي لمديرية بعدان وإن كان بعض أجزائه في عزلة المويه والمقاطن تتبع مديرية ريف إب لكنه مجازاٍ من بعدان ولهذا فالأكثرية ممن ليسوا من المنطقة يسمونه جبل بعدان.
وقديماٍ في العصر الجاهلي أيام حكم الملك الحميري الحارث ذو الرائش الذي كان من مقراته حصن إرياب المطل على جبل سمارة فوق منطقة حلúيِل بالضبط وحصن ريمان من بعدان قال فيه أعشى همدان:
بريمان أو بعدان أو رأس سلية
سفاءَ لمن يشكو السمائم بارد
وبالسفح من إرياب لو بت ليلة
لجاءك مثلوجَ من الماء جامدْ
عند زيارتي للجبل والطواف في أرجائه قيل لي أن تسميته تعود لأحد ملوك الدولة الحميرية الذي كان يسمى (ريمان) ومثله (الحِرِث) و(يريم) و(المنار) و(بعدان) من الأسماء المنتشرة في المناطق الوسطى التي تتبع محافظة إب وكانت يوماٍ ما مقراٍ للعديد من الملوك الحميريين الذين كانوا يتخذون لهم أكثر من مكان للاستقرار فيه واللجوء إليه وقت الشدائد ودائماٍ ما تكون مناطق مرتفعة وحصينة وجبل ريمان من أكثر المناطق تحصيناٍ طبيعياٍ.
مكان تاريخي
وبالعودة لكتب التاريخ نجد أن جبل ريمان يْعِد من أشهر جبال اليمن التي لعبت أدواراٍ تاريخية وكان لها باع طويل في التجارة والحضارة قديماٍ بدليل ما أورده بن كثير في كتابه التاريخي الموسوعة (البداية والنهاية) حيث ذكر أن المطلب بن عبد مناف شقيق هاشم بن عبد مناف والد عبدالمطلب جد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم توفي في جبل ريمان من اليمن.
والمطلب بن عبد مناف هو الذي نْسبِ إليه عبدالمطلب الذي اسمه شيبة بن عبد مناف وكان هاشم قد تزوج أم شيبة وهي من بني النجار سكان المدينة المنورة التي كانت تسمى قبل الإسلام (يثرب) وفي إحدى سفرياته للتجارة فاجأه الموت وهو في مدينة غزة من أرض فلسطين والتي لا تزال تحمل الاسم هذا إلى يومنا هذا وإن كان قد فْصل عن الإضافة لهاشم كما كانت تسمى (غزة هاشم).
حين توفي هاشم عِهدِ برعاية شيبة لأخيه المطلب الذي أخذه بعد بلوغه إلى مكة وأقبل عليه وهو مردف لشيبة خلفه وحين رآه بعض الغلمان ظنوه عبداٍ جديداٍ اشتراه المطلب فتصايحوا: عبدالمطلب عبدالمطلب .. والمطلب يزجرهم ويقول: ويحكم هذا ابن أخي هاشم إنه شيبة الحمد وسمي بذلك لشعرة بيضاء ظهرت عليه منذ الولادة لكن سكان مكة شاع فيهم اسم عبدالمطلب فيما بعد كعادة العرب حين تطلق لقباٍ على شخص إما من باب الدعابة أو الاستملاح وأحياناٍ السخرية ليصبح فيما بعد شائعاٍ كاسم لشخص أو قبيلة والشواهد على ذلك كثيرة إلى يومنا هذا.
حصون منيعة
المهم في قصتنا هذه أن جبل ريمان في بعدان كان من الطرق التجارية المهمة قبل الإسلام بدليل وفاة المطلب بن عبد مناف فيه وقد مات غريباٍ عن موطنه مكة وأهله مثلما مات أخوه هاشم بعيداٍ عن أهله في غزة.. ولا تزال هناك العديد من البصمات التاريخية المنتشرة في ثنايا جبل ريمان والتي تؤكد في مجملها على الدور التاريخي الذي لعبته المنطقة برمتها على مر العصور وهو ما يحتاج اليوم إلى بعض الشعور بالمسئولية من قبل الجهات المعينة بالسياحة والآثار لتقوم بدورها وكشف المطمور من الآثار التي تنضح بها بلادنا بشكل عام وجبل ريمان بشكل خاص فالمنطقة شهدت على مر التاريخ أحداثاٍ جساماٍ تركت بصماتها في كل شبر من هذه الأرض الطاهرة وكانت حصونها التاريخية كحصن حب وحصن نْعúم وحصن المنار وحصن العطاب وحصن رْقِب وقناصيع دلال وغيرها من الحصون والقلاع المنتشرة في بعدان وريمان أهدافاٍ استراتيجية للعديد من الدول التي حكمت اليمن وخاصة زمن الصراع اليمني العثماني الذي كان يتسابق فيه الجانبان على السيطرة على مثل هذه الحصون المنيعة الأمر الذي جعل من بعدان منطقة هامة قصدتها كل الدول وآلت إليها الكثير من أمور الرياسة ويكفي أنها كانت المكان الذي التجأ إليه الأمير علي بن الإمام شرف الدين حين فر من مواجهة الأتراك إلى بعدان معتصماٍ بحصنها الشهير حصن حب ولكن بالخديعة تم استدراجه والقضاء عليه بواسطة السم داخل الحصن الذي دْفنِ فيه قديماٍ القيúلْ اليمني الحميري يريم ذو رعين.
وجهة سياحية
ريمان لايزال حتى اليوم يحتفظ بالعديد من الآثار كما يحتفظ بالكثير من العادات والتقاليد العريقة ويمتلك من مقومات الجمال الطبيعي الرباني مايؤهله لأن يكون في مقدمة أماكن الجذب السياحي في بلادنا فقط يحتاج من يعمل له بإخلاص من أبنائه المنتخبين في المجالس المحلية والبرلمان والشخصيات الاجتماعية ذات التأثير.
جبل ريمان لايزال قبلة لكل من يزور إب أو مديرية بعدان ولا يزال يخبئ في طياته الكثير من الأسرار التاريخية التي تدل عليه الشواهد المنتشرة في أرجائه ونتمنى أن يأتي اليوم الذي يصبح فيه جبل ريمان وجهة سياحية من الدرجة الأولى على مستوى ليس اليمن فحسب بل والجزيرة العربية بأكملها لأن المقومات السياحية الطبيعية التي يمتلكها لايمتلكها أي موقع سياحي آخر في اليمن فهو في المنطقة الوسطى التي تمثل قلب اليمن ومناخه معتدل على مر العام وأرضه خصبة لدرجة أن هناك أشجار وحشائش تنمو على بعض الصخور.
نريد على الأقل من الجهات المعنية أن يحظى جبل ريمان بما حظي به جبل صبر في مدينة تعز من رصف وسفلتة وبناء جدران ومصارف للسيول لتضفي على الجبل رونقاٍ بديعاٍ وتحافظ على تربته من الانجراف بسبب الأمطار الكثيفة التي يمنْ الله بها دائماٍ على هذا الجبل الخصب.