ما تجمعه العواصف “السعودية”، تذروه رياح “التطرف” و”الإرهاب “
عبدالرحمن هاشم اللاحجي
أعلنت الرياض السبت الماضي نشر طائراتها الحربية في قاعدة (انجرليك التركية) في إطار ما أسمته عملية “عاصف الشمال للحرب على داعش “، وقال المتحدث باسم وزير الدفاع السعودي بأن المملكة ” تهدف إلى زيادة العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية “، وأشار إلى أن هناك إجماعاً لدى قوات التحالف بالبدء بعملية برية في سوريا لكنه لم يحدد توقيتها وقال بأن “ذلك متروكاً لقوات التحالف وليس للسعودية فقط “، معربا عن تفاؤوله الكبير في نجاح العملية التي تحظى “حد زعمه” بإشراف ودعم الولايات المتحدة الأمريكية .!
وفي أول تصريح له بعد البدء بنشر مقاتلاته الحربية على الحدود التركية قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أثناء لقائه نظيره السويسري “ديدييه بوركهالتر” في الرياض والذي أوكلته المملكة السعودية “حماية مصالحها الاستراتيجية في إيران” بأنه ” لن يكون هناك أسد في سوريا مستقبلا “، وهو ما اعتبره مراقبون زلّة لسان أماطت اللثام عن الهدف الحقيقي الكامن وراء الحرب السعودية في سوريا”.
وعلى ذات الصعيد أطلقت قوات التحالف على عملياتها البرية التي تقودها السعودية على الحدود مع اليمن اسم “عاصفة الساحل ” وقالت “إن ذلك يأتي في إطار استكمال عملية تحرير صنعاء من الانقلابيين غير الشرعيين “حد وصفها ” ودعت إلى تكثيف الجهود العسكرية لتحقيق ذلك الهدف حتى لو كلّف الأمر دكّ صنعاء بما فيها حد وصف الكاتب السعودي “فهد الشيلمي ” في إحدى القنوات قبل أيام .
ويرى محللون ومراقبون للمشهد السوري بأن الدعم المادي والمعنوي واللوجستي وأخيرا العسكري الذي قدمته السعودية وتركيا خلال الفترة الماضية لتلك الأطراف المتطرفة وبرعاية واهتمام أمريكي بريطاني إسرائيلي مشترك سيكون وبالاً ونذير شؤم يتهدد تلك الدول المغامرة والواقعة تحت تأثير قرارات ساستها المراهقين كما يؤكدون أيضا بأن : “تركيا إلى جانب السعودية سيدفعان ثمن سياساتهما الأخيرة التي يصفونها “بالصبيانية، والطائشة” في الشرق الأوسط كون الأولى الأقرب جغرافيا، والأكثر احتكاكا ومعايشة لتلك الجماعات المتطرفة والأكثر اجتماعا بها في الغرف المغلقة ومن خلف الكواليس كما تؤكد ذلك التقارير الإخبارية القادمة من القنوات الإعلامية الرسمية التابعة لها والتي تتحدث بشكل شبه مستمر عن عمليات مفخخة وحوادث اغتيالات داخل مدن تلك الدول وتزايدت وتيرتها خلال الايام الأخيرة بل وصلت إلى مدنها الرئيسية وعواصمها السياحية .
وفي ذات السياق أمهلت المملكة السعودية حكومة المخلوع هادي ثلاثة أشهر بعد انسحاب الجيش اليمني واللجان الشعبية من الجنوب أواخر سبتمبر من العام الماضي وذلك لما قالت بأنها: “ستكون مدة كافية للمخلوع لترتيب السلّة الحكومية والإمساك بزمام الحكم في المناطق الجنوبية من البلاد” إلا أن انقضاء أكثر من نصف عام تقريبا على التصريحات السعودية وفي ظل موجة التخبط والقتل والاغتيالات اليومية التي يشهدها الجنوب وخصوصا مدينة عدن مقر إقامة الرئيس المخلوع يؤكد بأن المملكة لم تعد ممسكة بخيوط المعادلة باستثناء هادي وزمرته أضف إلى ذلك بأن الخلايا المتطرفة وخلال الفترة التي أعقبت انسحاب الجيش اليمني واللجان الشعبية كانت قد أقدمت على ملء الفراغات الأمنية وسيطرت على مدن كبيرة وكثيرة “كحضرموت، والمكلا، والشحر، وأبين، وأجزاء واسعة من شبوة” مما أعاق المخلوع وحكومته في فرض الأمن وإعادة الاستقرار بل وصلت الاشتباكات أكثر من مرّة إلى قصر المعاشيق وهو المكان الذي يقبع فيه هادي ويعقد فيه اجتماعاته اليومية ويصدر منه مراسيمه وقراراته الرئاسية بصفة دائمة .
وفيما يبدو أن المملكة السعودية ماضية في قراراتها الارتجالية المتعجرفة بخوض رُحى حرب أخرى في سوريا والبدء بتنفيذ سلسلة عواصف جوية على غرار تلك التي أقدمت عليها في اليمن “كعاصفة الحزم ، والأمل ، والساحل و ..الخ ” وذهب ضحيتها عشرات الآلاف ما بين شهيد وجريح ولم تخرج منها بأي نتيجة إيجابية كما كانت تتوقع بل غاصت في وحل عميق وعرّضت حدودها الجنوبية مع اليمن لضربات الجيش اليمني الذي يعلن يوميا تساقط العديد من المواقع والمدن السعودية بأيدي رجاله الأبطال .
على أن تقدم الجيش اليمني في الجنوب السعودي يصاحبه تغلغل أكبر من قبل الجماعات المتطرفة في الأماكن التي لازالت بأيدي السلطات السعودية في محاولة للسيطرة والاستحواذ عليها وتنفيذ مخططاتها الإجرامية داخل العمق السعودي تماما كما هو الحال في سوريا واليمن وليبيا و ..الخ مستفيدة من حالة انشغال السلطات الحاكمة بالحرب المحتدمة ومعتمدة على الحاضن الشعبي الكبير القابل للتحول في ليلة وضحاها بحكم ما يحمله من موروث ثقافي وديني متطرف أنتجته سياسة الأمر الواقع لآل سعود طوال فترة حكمهم الممتدة منذ مائة عام تقريبا وهو الأمر الذي قد يصنع”كما يقول مراقبون” : حالة مشابهة تماما لما حدث في بلاد الشام عندما فاجأت “داعش” العالم بسقوط العديد من المدن السورية والعراقية في غضون ساعات معدودة .
وبلاشك فإن الخطوات الأخيرة التي أقدمت عليها المملكة “كتأسيس التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، والشروع بعقد لقاءات واجتماعات وتأسيس كيانات مذهبية وطائفية في المنطقة مستغلة إحداث سفارتها في طهران وما نجم عنه من أحداث مأساوية ودموية ” ليست سوى أغطية هُلامية وأقنعة زائفة تسعى المملكة من خلالها للتضليل على الرأي العام العالمي لتمهيد الطريق لداعش في السيطرة والاستحواذ حتى وان كان ذلك سيجعل من نتائج عواصفها عُرضة للتهشيم وذرو الرياح الموسمية الداعشية وكما هو دأب السياسة الأمريكية التي جعلت من “الكيان الواحد” الظاهر “بكيانيين” مجرّد بُعبُع وفزاعة لتدخلاتها وغطرستها بالشكل الذي يخدم مصالحها القومية في المنطقة والعالم بشكل عام .