مركز العيون بمستشفى الثورة.. وجهة طبية وتعليمية

زحام وطوابير طويلة تعكس جوانب شتى حول الخدمات الصحية واحتياجات المرضى

تحقيق / محمد محمد إبراهيم
في مركز العيون بمستشفى الثورة العام بالعاصمة صنعاء، يدرك الزائر مدى تزايد مؤشرات أمراض العيون، بل ويدرك إلى جانب ذلك مدى ارتفاع مؤشرات الإصابة لدى الأطفال وماذا تعاني النساء اليمنيات جراء الحَوَل الخُلِقي، وتبعات هذه الحول على سلامة النظر طوال الحياة..
إنما لاحظناه أثناء زيارتنا لمركز العيون بمستشفى الثورة، هو إنجاز طبي حقيقي متكامل بخدماته وديمومة الرعاية والتطبيب البصري(جراحة العيون) بكادر طبي يمني.. ومن الإنصاف في هذا الاستطلاع الإشادة والشكر والتقدير لما يبذله طاقم المركز الطبي والتمريضي والفني من أداء مميز خادم للمجتمع خصوصاً الفقراء وذو الدخل المحدود- بما يقدمونه في ظل هذه الظروف الصعبة التي تشهدها البلاد- من رعاية وجراحة واستشارة في مكافحة امراض العيون خصوصا واليمن تحتل المرتبة الأولى في الدول العربية في مرضى العيون حسب منظمة الصحة العالمية.. إلى التفاصيل..
كان الصباح مزدحماً حدّ الاختناق المروري على بوابات المستشفى، ربما لأن هيئة مستشفى الثورة العام، هي أكبر مدينة طبية يمنية بل وأقربها إلى الناس، وأرقاها خدمات صحية، ناهيك عن طبيعة وضع البلد في ظل الحصار والعدوان الذي ضرب مقومات البنية الصحية في معظم محافظات الجمهورية اليمنية، وملف النزوح الداخلي إلى الأمانة، وما أضافت إلى ذلك تداعيات هجمات العدوان والقصف البربري الذي ترتكبه دول التحالف العربي، مفرزة بذلك منذ ما يقرب العام، ضحايا وجرحى بالمئات من النساء والأطفال على مدار اليوم، من أعباء وإصابات وطوارئ مفتوحة على مدار الساعة، وجهود إضافية في سبيل تقديم الخدمات الطبية..
كانت الفكرة عندي أن مركز العيون لا يشهد أي زحام، خصوصاً ما يتعلق بأمراض العيون المعروف المياه البيضاء والزرقاء والحول الخلقي، فالاستشفاء في هذا الجانب متراجع نظراً لما هو أكثر منه هولاً كالظروف التي أشرنا إليها.. لكني تفاجأت بطابور كبير، وكأن اليمن كلها احتشدت شاكية من مرض العيون، وإصاباتها العرضية التي لا يمرُّ يوماً دون وقوعها..
تذكرت خبر إعلامي تم تداوله عن إحدى الدراسات العلمية التي أثبتت اتصال هذا المرض بالجانب النفسي والحزن والكآبة وكلها نتائج لما تشهده اليمن من تشظي وعدوان وحدود متدنية، من العيش الكريم والدواء، وأمراض مزمنة.. غير أن الدراسة التي انطلقت من السبق العلمي القرآني: “وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ”-(84) –يوسف، ذهبت إلى أسباب الحزن والضغط النفسي التي من أهمها في اليمن الأمراض المزمَّنَة كارتفاع ضغط السكر وما تلحقه من تداعيات على الأمن النفسي للشخص.. وهذا ما يقودنا إلى ما أوضحته منظمة الصحة العالمية عن وجود نحو 50 مليون ضرير في العالم.. مؤكدة أن المياه البيضاء والزرقاء وحدوث تهتك في شبكية العين والعصب البصري جراء الإصابة بمرض السكري وأمراض تصلب الشرايين وارتفاع ضغط الدم، من أهم الأسباب المؤدية لفقدان الإبصار.. وأكد التقرير أنه من كل عشر حالات عمى في العالم توجد تسع منها في بلدان العالم الثالث أما في الدول الغنية فيأتي مرض اعتلال الشبكية جراء السكري في المرتبة الأولى كسبب لفقدان البصر.
دراسات صحية
غير أن الأهم في التقرير هو تصنيف منظمة الصحة العالمية لليمن كأعلى دولة عربية في أعداد المصابين بأمراض العيون.. داعية المنظمة إلى بلورة إستراتيجية عمل مشتركة بين الدول العربية للحد من الإصابات بأمراض العيون وفقدان البصر بين مواطني الدول العربية.. كما تشير الإحصائيات المسحية أن مرض المياه البيضاء منتشر في اليمن بنسبة 70% من إجمالي أمراض العيون..
وتعرّف الدراسات مرض المياه البيضاء، بأنه إصابة العين بعتمةٍ في العدسة البلورية، تتحول بعد ذلك إلى سائل أبيض يؤدي إلى تلاشي حدة الإبصار خصوصاً مع تقدم العمر.. وتزيد نسبة الإصابة بهذا المرض في البلاد الحارة وفي حالات الإصابة بمرض السكري، حيث تؤكد الدراسات أنه في كل (100) شخص مصاب بالسكري يوجد (10) أشخاص بينهم مصاب بالمياه البيضاء..
وحسب نتائج المسح الميداني الثاني لتقييم طب العيون عام 2012م في الجمهورية اليمنية تؤكد المؤشرات أن المياه البيضاء والزرقاء من أهم الأسباب الرئيسية التي تصيب الإنسان بالعمى بنسبة( 50-60 %) إضافة أن هناك انتشاراٍ كبيراٍ لهذا المرض ويظهر ذلك بالرجوع للمقارنة بين نتائج المسح الميداني الأول لتقييم طب العيون في اليمن عام 2003م، حيث يتضح ذلك من خلال إجراء (31258) عملية مياه بيضاء عام 2003م بمعدل (1600) عملية لكل مليون من السكان. أما عن نسبة عدد المصابين فهي تصل إلى (5000) حالة مياه بيضاء لكل مليون نسمة وهذا يعني أن هناك حالات مياه بيضاء تتراكم سنوياٍ وارتفاع في نسبة المرض وهذا ما أكدته نتائج المسح الثاني الذي أجري في اليمن عام 2012م حيث تم إجراء (62577) عملية مياه بيضاء أي بمعدل (2473) إصابة لكل مليون من السكان للحالات الجديدة فقط من دون المساس للحالات التراكمية مشيراٍ إلى أن العمليات سترتفع إلى (3500) لكل مليون نسمة وأنه في عام 2015م سترتفع العمليات إلى (5500) عملية لكل مليون نسمة إذا لم تتم عمل مكافحة لهذا المرض..
أما مرض المياه الزرقاء يتمثل في أمراض الشبكية التي منها المياه الزرقاء والتي تسمى بارتفاع ضغط العين و(الغلوكوما)..  فتؤكد الدراسات العلمية أنها أخطر من المياه البيضاء لأنها تؤثر على العصب البصري وتصيبه بالضمور مما يؤدي إلى فقدان البصر كما أنها ثاني الأمراض انتشاراٍ في اليمن بعد المياه البيضاء.. وتشير الدراسات إلى أن هناك 2% من الأشخاص عالمياٍ يصابون بهذا المرض.
إصابات الأطفال
في زيارتي للمركز رأيت على أبوابه وفي صالات الانتظار وفي الغرف المخصصة للتشخيص والعمليات الصغرى، أطفالا مرضى عيون أصابتهم طائشات الألعاب النارية، أو السلاح الذي أضحى بيد البراعم-خصوصاً في محافظات الجمهورية التي تشهد الحرب المفتوحة مع الغزاة، وتشهد السلاح المعادي يتوزع في كل مكان-أو حوادث غريبة كإصابة عمل لطفل لا علاقة له بها سوى الشجن الطفولي لاستكشاف كلما يجده أمامه، أو انفجار بطاريات الطاقة الشمسية، أغفلت الأسرة دواعي الحذر منها فتركتها أمام الأطفال، فعبثوا بأسلاكها وتركيبها بالغلط (السالب مكان الموجب، والموجب مكان السالب) مخلفين كارثة في المنزل، أو لُعْبَة تفتقت عن أدوات معدنية حادة، فأصابت أطفالاً على حين غفلة من إدراك ورعاية الأسرة.. لكن الأهم هنا الإشارة إلى أن هناك أطفال مصابين بالمياه البيضاء، حيث تشير الدراسات أن الاصابة في المياه البيضاء تظهر عند الأطفال بنسبة 40% لأسباب وراثية، أو لإصابة طفيفة تتحول إلى بقع بيضاء داخل المنطقة السوداء للعين..
مركز العيون
مركز العيون بهيئة مستشفى العام الذي يشهد زحاماً كبيراً، مكون من العيادات الخارجية وفيها يتم استقبال الأمراض لتشخيص حالتهم ويتم فحص 80 مريضا يومياً أحياناً.. وقسم البصريات والنظارات واخطاء الانكسار، وتصحيح النظر بالنظارات.. وقسم الحَوَلْ وتصحيح النظر للأطفال.. قسم الشبكية والجسم الزجاجي.. وقسم الليزر لعلاج أنواع الشبكية بمختلف أنواعها.. كذلك قسم الليزك: هو قسم لعلاج وتصحيح النظر بدون نظارات، وهو أول مركز حكومي يقدم هذه الخدمة بأسعار مناسبة.. أما قسم العمليات فهو للعمليات بمختلف أنواعها الشبكية والمياه البيضاء والزرقاء والحول والعمليات الصغرى، حيث تجرى العلميات الصغرى بمتوسط اليومي يصل نحو 15 عملية يومياً.. فبما يستقبل قسم الطوارئ حالات الطوارئ والاصابات خلال 24 ساعة..
في مركز العيون بهيئة مستشفى الثورة العام التقينا الدكتورة فايزة شمسان نائبة رئيس المركز التي أكدت في حديثها لـ الثورة أن معظم الحالات التي يتم التعاطي معها هي الإصابة بالمياه البيضاء والزرقاء والحساسية، وحالات الإصابات العميقة التي تحصل بسبب حوادث يومية عارضة، وهي الإصابات التي يرفضها جميع المستشفيات الخاصة، ومعظمها من الأطفال، نتيجة لعدم معرفة الأهل بالأخطاء والأخطار التي تواجه الأطفال، مثل الألعاب النارية وإطلاق الرصاص في الأعراس، ولا تنسى في الفترة الأخية تزايد الإصابات نظرا لأسباب الحرب، وانتشار السلاح، وهناك أما حالات غريبة وحديث كإصابات بانفجار بطاريات الطاقة الشمسية، التي تسبب إصابات عميقة وقاتلة إذا لم يتم الحيطة والحذر عند استخدامها وقد أستقبلنا أكثر من خمس حالات في الأشهر الماضية.. إضافة إلى حالات الانفصال الشبكي وأمراض الشبكية خصوصا المتصلة بأمراض السكر وضغط الدم..
وحول مرض الحَوَل قالت شمسان: الحوَل منتشر شكل كبير، لكنه أكثر انتشارا عند الأطفال، والنساء غير أن من أهم المفارقات أن المرأة اليمنية تبحث عن خدمة تصحيح النظر بالليزك، هروباً من النظارات وقد تم ملاحظة ذلك في قسم الليزك للتخلص من النظارات نظرا للعادات الاجتماعية والنظرة القاصرة للفتاة التي تلبس النظارة.. داعية الآباء والأمهات إلى سرعة احضار أطفالهم مع أول لحظات اكتشاف حالة الحول، لأن العلاج المبكر أسرع نجاحاً وأقل تكلفة..
وجهة تعليمية
وأضافت الدكتورة فايزة شمسان: المركز إلى جانب هذه الأقسام والخدمات صار اليوم وجهة تعليمية حيث يتم فيه تدريب طلاب جامعة صنعاء، وكذلك بعض طلاب الجامعات الخاصة، وكذلك يتم الاشراف ومتابعة طلاب الدراسات التخصصية والبورد العربي واليمني التابع للمجلس اليمن للتخصصات الطبية. بمشاركة واستشاريين في طب وجراحة العيون التابعين لجامعة صنعاء. الهيئة قدمت دعما لا محدود في الآونة الأخيرة رغم هذه الظروف التي تحيط بالبلاد ومن ظمن الدعم سوف يتم افتتاح مركز متكامل كتوسعة للحالي لزيادة استيعاب المرضى وتقديم الخدمة بجودة عالية..
مؤكدة إن القدرة الاستيعابية لا تكفي مقارنة بهذا الاقبال الشديد على مركز العيون بمستشفى الثورة، كما أن أبرز التحديات تكمن في محدودية الإمكانات الكافية.. واستمرار التدريب لكوادرنا في الخارج في التخصصات النادرة وعدم عودة البعض، في الوقت الذي البلد في أمس الحاجة لها..
وأكدت أن هيئة مستشفى العام قدمت دعما لا محدود في الآونة الأخيرة رغم هذه الظروف التي تحيط بالبلاد ومن ضمن الدعم، يجري الآن الترتيبات لافتتاح مركز متكامل كتوسعة للمركز الحالي لزيادة استيعاب المرضى وتقديم الخدمة بجودة عالية..

قد يعجبك ايضا