قصف مركز المكفوفين .. الجُرْم الأكبر انتهاك لحقوق الإنسان

تحقيق وتصوير / طارق وهاس
اليوم وفي همجية آل سعود وعدوانهم البربري على اليمن، يدشن التاريخ أولى الجرائم التي تعد أكبر فداحة وانتهاكاً لحقوق الإنسان، بحادثة قصف العدوان السعودي لأحد أبرز مراكز المكفوفين بالعاصمة صنعاء..
لا مبالغة في هذا.. فاستهداف السكن الداخلي للمكفوفين بمركز النور جريمة مكتملة الأركان وثقتها الصورة والذاكرة اليمنية الجريحة، والصامدة على كل أصناف العدوان البربري، التي وصلت حد إبادة من سعى العالم بأكمله لمساعدتهم فأي هستيريا وصلت بآل سعود حتى يخافوا من المكفوفين وذوي الإعاقة.. التفاصيل في سياق التحقيق التالي:
“صوت الصاروخ، وصراخ الأطفال وأصوات تهشُّم الزجاجات، أفزع جميع طلاب السكن، لم أستطع النهوض من السرير أنا وزميلي، والخوف سيطر علينا من أصوات الطائرات المخيف والتي لازلت محلقة بعد الانفجارات في المكان.. ولا مجال سوى الصراخ استجداء لأي مساعدة من الأحياء المبصرين”..
هذا ما قاله الطفل اليافع وضّاح الوصابي- أحد طلبة مركز النور المكفوفين- فيما يصف الطالب عبدالله المنصوري ليلة الحادث بثورة من الهلع والخوف وكان الجميع يسارعون للخروج من السكن فأصيب البعض بالجروح بسبب الزجاج المتطاير والتراب الذي لم نستطع التنفس لكثافته في الغرفة وتم إخراجنا إلى المسجد المجاور..
وهيب القدسي- أحد الجرحى من الطلاب المكفوفين- يقول: أن الخوف والرعب عمّ الجميع، خصوصاً ونحن آمنون، ولم نتوقع أن الانفجار الذي دوى قد أصاب المركز نفسه، وحين شعرنا بالأثاث وزجاج النوافذ تتناثر، كان يصطدم بعض الطلاب ببعض والبعض الآخر في الجدار ومنهم من يجرح بالزجاج، أثناء محاولته الهروب، ولكن لا يرى إلى يهرب.
عبدالرحمن العماري- جريح أيضاً- يؤكد أن لم يعرف رغم طنين قوة الانفجار أن المركز تحت القصف إلى تطاير الزجاج، بل وتساقطت النوافذ والأبواب على رؤوس الجميع، فاستيقظوا هلعين يعلو خوفهم الصراخ والبكاء في أنحاء الدار.
تفاعل مجتمعي
رغم الليل الآمن الذي كان يعيشه المركز والحيّ المجاور إلا أن الفاجعة كانت كفيلة بإيقاظ جميع الحي رجالا ونساء، ليس لأن القصف طال منزلاً فقط فيه أسرة لا تزيد عن 11 فرداً، ولكنه طال هذه المرة مركز النور للمكفوفين الأشهر في حي الصافية وربما في العاصمة صنعاء، المركز الذي يعيش وينام بداخله أكثر من (110) أشخاص، يتوزعون على 20 مشرفاً وإدارياً، و(90) طالباً منهم نحو 20 طفلاً، جميع ساكني هذا الدار والمركز فاقدو البصر- عدا المشرفين- وهو ما جعل كل من في الحيّ برجاله ونسائه يهرعون خوفاً على أولئك الأطفال، وهو ما عكس أيضاً تفاعلاً مجتمعياً نادراً يميز الشعب اليمني الصامد في وجه هذا العدوان الغاشم..
وفي هذا السياق تقول هدى عبدالرحمن -أحد سكان حي الصافية المساهمين في إسعاف المكفوفين الجرحى- عشنا لحظة رعب لا تنسى ونحن نسمع دوي الانفجارات التي كانت هائلة، وما أن شعرنا أنها في مركز المكفوفين حتى هرع كل من في الحي، لإنقاذ المكفوفين الضعفاء والأطفال الصغار الذين يتعرضون لهذا العدوان.. وجميعنا يتساءل ماذا صنع هؤلاء الأطفال المكفوفين حتى يتم الاعتداء عليهم وهم نائمون في جنح الليل.
وقالت مخاطبة الأمم المتحدة التي تتغنى بحقوق الإنسان: أين حقوق الإنسان من هذا الإجرام الكبير.. أطفال معاقون بصرياً لا يرون سوى الظلام تنتهك حقوقهم..
وتشاطرها نفس السؤال أم عبدالملك الكبسي -أحد المسعفات أيضاً- واصفة الحادثة بالفزع الشديد والأكثر خوفا عاشته الصافية وعاشه الدار والمباني المجاورة له، بل وعاشته صنعاء، منذ بداية العدوان..
وحول كيفية التعامل مع الجرحى وإسعافهم رغم مباشرة الطائرات المعادية بعد أقل من ساعة على الضربة الأولى بالضربة الثانية قالت أم عبدالرحمن: بعد الغارة الأولى بدأنا وجمع غفير من الجيران، بسرعة إخلاء الدار من الطلاب المكفوفين ونقلهم إلي مكان آخر، متوقعين عودة الطائرات، فيما قام رجال الحي وبعض النساء بنقل المصابين إلى المستشفيات القريبة، وأصحاب الإصابات الطفيفات تم إسعافهم أولياً في المكان الذي نقلوا إليه..
لن ننسى
الأستاذ جميل الحميري مدير مركز النور للمكفوفين، لم يكن يتوقع مطلقاً أن يشهد المركز هذا العدوان، كان ذلك واضحاً في حديثه لـ”الثورة” بملامح ارتسمت عليها غمامة من الحزن الشديد بسبب ما حدث للمكفوفين ذوي الإعاقة الذين يسعى العالم بمختلف دياناتهم ومذاهبهم وحتى الملحدين، لنصرة ومساعدة هذه الشريحة الضعيفة من المجتمع..
يقول جميل الحميري: لن ننسى العدوان الوحشي البربري ضد هذا المركز والذي أصاب عشرات الطلاب المكفوفين بجراحات، بالغة، مصيباً بقية الطلاب وأطفال ونساء وسكان الحي المجاور بفاجعة كبيرة من الذعر والهلع، كما دمّر الدور الثالث من مبنى السكن الداخلي للطلاب والمدرسين.. واصفا هذا العدوان بالبرهان الواضح الذي يدل على فشل آل سعود وحقدهم الأعمى على اليمن، حيث يمارسون حرباً عدوانية منذ عشرة أشهر لإبادة اليمنيين بدون استثناء”.
موضحا أن (110) أشخاص منهم (90) طالبا كفيفاً، بينهم 17 طفلاً أعمارهم تحت سن الخامسة عشرة وهم من مختلف محافظات الجمهورية.. كانوا داخل السكن لحظة العدوان البربري الذي طال المركز منتصف ليل الثلاثاء 2016/1/5م.
وأضاف الحميري: الحمد لله لقد نجا الجميع، غير أن هناك جرحى بين الطلاب والمشرفين والمسعفين بسبب الزجاج المتطاير، فيما هناك خسائر مادية، في واجهة المبنى في هيكله العمراني، وتدمير كل أثاثه ونوافذه وأبوابه.. مؤكداً عزم المركز على مواصلة التعليم والصمود أمام هذه الظروف الصعبة والاستثنائية، من خلال تخصيص مبنى آخر لتسكين الطلاب..
تدمير شامل
“حضرنا صباح الثلاثاء إلى المركز، وفوجئنا بالدمار الهائل الذي طاله، غير أن الأكثر بشاعة من هذا الدمار هو ما طال الأطفال المكفوفين والمدرسين الذين يسكنون الدار من فاجعة وصدمة نفسية وهم يرون الدار يتساقط على رؤوسهم فيما البعض منهم مخضبون بالدماء، ومنهم من دفعهم الخوف مع الضربة الأولى إلى الخروج من المركز.. لتأتي الضربة الثانية لتطال جميع مرافق المركز، مدمرة الواجهات وجميع النوافذ والأبواب والأثاث، محولة معظم مكونات المركز إلى أنقاض..
هذا ما أشار إليه الأستاذ عبدالله الهمداني المدير التنفيذي لصندوق رعاية وتأهيل المعاقين، واصفاً نبأ الاعتداء على مركز المكفوفين بالصاعقة، معتبراً أن هذا الحادث أقسى ما يمكن أن يحدث لهذه الشريحة المعاقة التي لا حول لها ولا قوة..
وحول الإجراءات التي اتخذها صندوق رعاية وتأهيل المعاقين قال الهمداني: تم تشكيل لجنه من الجهات المختصة لعمل تقييم الأضرار التي لحقت بالمبنى وسوف يعاد بإذن الله إلى أفضل مما كان عليه.. مؤكداً أنه تم تدبير سكن مع المختصين بعد البحث والتجهيز للمدرسة حتى تتم مواصلة النشاط الدراسي وفق البرامج المعتمدة..
ولفت الهمداني إلى أن الاتفاقية الدولية التي تحمى حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي أقرّتها الأمم المتحدة وصادقت عليها بلادنا حرمت وجرمت الاعتداء على هؤلاء الأشخاص سواء في مدارس أو مقرات سكنهم أو معاهد أو أي مرفق يخصهم.
داعياً جميع المنظمات الدولية والأممية إلى سرعة التحقيق في هذا الاعتداء الغادر الذي تجاوز كل القيم والمثل والأخلاق الإنسانية..
العدو المفلس
المنظمات العربية والدولية استهجنت هذا العدوان الغادر الذي طال مركز النور للمكفوفين، وطال كل مقدرات اليمن التعليمية والتربوية والصحية.. حيث أكد الأستاذ عبد الله بنيان نائب رئيس المنظمة العربية للأشخاص ذوي الإعاقة –رئيس الدائرة القانونية بالاتحاد الوطني لجمعيات المعاقين اليمنيين.. أن هذه الجريمة تعد الأولى من نوعها فلم يسبق أن يعتدى على مركز لذوي الإعاقة الخاصة في العالم..
مؤكداً أنه منذ تأسيس المركز عام 1976م لتأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة، يحظى بمساعدة ورعاية كل الأجهزة الرسمية والمنظمات المحلية والدولية، لمساعدة المعاقين والمكفوفين على تنمية قدراتهم، وتحاشي حرمانهم من العيش الآمن والتعليم، ومساواة لهم بمختلف شرائح المجتمع، بل وإدماجهم فيها.. ولكن العدوان له رأي آخر ينم عن ثقافة الإفلاس الأخلاقي وموت الضمير الذي دفعهم للاعتداء عليهم دون أي رحمة بحالهم وهي جريمة يدينها الجميع.
وأضاف بنيان: أن المادة 11 من الاتفاقية الدولية للأشخاص ذوي الإعاقة والتي صادقت عليها بلادنا وجميع منظمات الإعاقة في العالم العربي والدولي بشكل عام تحمي هؤلاء الأشخاص من أي صراع أو نزاعات مسلحة وتمنع أي طرف أن يسيء لهم.
وأضاف: أن الحالة النفسية المرعوبة التي عاشها الأطفال المكفوفون، ستطول وتلازمهم إلى ما بعد العدوان في المستقبل، مناشداً جميع المنظمات الدولية وحقوق الإنسان سرعة التحرك لإيقاظ الضمير الإنساني لمحاسبة هذا الانتهاك الصارخ، أو على الأقل إدانته والإسهام في إيقاف هذا العدوان البربري.

قد يعجبك ايضا