محمد العزيزي
بعيداً عن القصف والعدوان والخيانة والمرتزقة .. بعيداً عن ضجيج وهدير الطائرات وما ترمي به من حمم وقذائف وصواريخ على مدننا ومقدراتنا التاريخية والنهضوية, على القرى والجبال .. لماذا ؟ ببساطة .. لأننا أصل العرب . والعروبة والموطن ولنا هوية ومرجع .
في هذه العجالة وبعيداً عن العدوان سنتحدث عن القرية ذلك المكان الذي يحتضن ذكرياتنا وأبائنا وأجدادنا وتاريخنا ومرجعنا , وحضارتنا والشواهد التي تدل على الإنسان اليمني وعلاقته بالتاريخ وكفاحه مع الحياة وكيف طوع تضاريس الأرض لخدمته ؟!
الحرب العدوانية التي يشنها آل سعود اليوم على اليمن أرضاً وإنساناً استهدفت بوحشية وحقد المدن الرئيسية , أجبر هذا الفعل وبالذات من استهدفهم القصف إلى العودة إلى القرية مسقط رأس المواطن اليمني والتي هي أي القرية المرجع والموطن الأصلي لكل يمني .
القرية التي يعتبرها اليمنيون موطنهم الصغير يعودون إليه كلما شدهم الشوق والحنين ولزيارة شجرته العائلية التي ينتمي إليها وتربطه بها حميمة الهوية والانتماء والدم والنسب .. يعود إلى القرية من المدن كل أبناء اليمن في المناسبات والأعياد وفي الشدائد وأيضاً من أراد الخلاص من غوغائية المدن والترويح عن النفس .
عشت يوم أمس الأول “الجمعة 7/1/2016م” مع القرية وجوها وعاداتها وتقاليدها , مع أمثالها وقصصها استمتعت لحظات أهازيج البتول والأدوات التي يستخدمها الإنسان وطبيعة حياته منذ الفجر وحتى غسق الليل , تتبعت بالتفصيل حياة المرأة وهي تحوم في دهاليز البيت طوابقها وفي الوادي, رأيتها وهي تلبس تلك الملابس الفلكلورية من الجلابة والمدرعة والزناقة والدُقة والحُنيشية , والمشقر والمركني .
تذكرت كيف عشنا في القرية تلك الحياة الرجولية مع ضوء النوارة والمرهاء مطحن الحبوب وبرمة اللحم الفخارية والأجب والطنبور والشقفة والجفنة والفطير والرائب .. بعد ذلك استعدت وتعرفت على الكلمات الدارجة والأشعار التي يتغنى بها المزارعون والرعيان وعلى الأمثال والحكمة والصبر والجلد.
حلّقت بكل جوارحي ومشاعري وعواطفي في القرية التي احتسبها أنا وغيري من أبناء الوطن بأنها ذاكرة وتاريخ لصفحات الماضي للإنسان اليمني لأنه شعب متجذر بالأرض وينتمي إليها وليس شعب جمعته الأقدار وحاجة المعيشة في مدن مبانيها من زجاج ولا تعرف شعوب الزجاج من هي ولمن تنتمي.. وأجيالها تسأل كيف هبطوا إلى هذه المدن وإلى أي الشعوب ينتمون ؟!!
لم أسافر إلى قريتي التي زرتها قبل أقل من عام ولكني عشت لحظات في غاية المتعة والاستلهام تلك الطبيعة الأزلية والعادات والتقاليد للإنسان اليمني وتعرفت أيضاً على أشياء كنت أجهلها تماماً وذلك من خلال مطالعتي للطبعة الثانية من كتاب ” القرية.. شيء من الماضي” للأستاذ والكاتب الرائع الأخ عبدالله علي النويرة الذي أهداني هذا الكتاب يوم الخميس الماضي في بيت الثقافة أثناء تدشين حفل إصدار سلسلة كتاب “انكسار عاصفة الحزم” الذي أصدرته مؤسسة الثورة للصحافة والطباعة والنشر.
بصراحة لقد أبدع الأستاذ عبدالله النويرة في هذا الكتاب الرائع في رصد وتوثيق كل ما يدور ويرتبط بالحياة وطبيعة الإنسان اليمني في القرى اليمنية كون الجيل الحالي والقادم يحتاج إلى أن يتعرف على كل شيء عن الوطن وتاريخه وعاداته وتقاليده وما تتميز به كل قرية ومحافظة في الوطن الكبير اليمن.
هذا الكتاب والجهد الكبير الذي بذله الأستاذ عبدالله النويرة لإخراجه إلى حيز الوجود وصفه الأستاذ الدكتور عبدالعزيز المقالح الذي كتب مقدماً هذا الكتاب بأنه كتاب متميز بذل فيه النويرة جهداً ممتازاً ويشكل استباقاً ضرورياً لما سوف يطرأ على حياة القرية من مستحدثات تطمس كل قديم وما يترتب على هذا الطمس من إزلة للمعالم الأصيلة التي كانت القرية وماتزال تعتز بها وتعتبرها من التقاليد الوطنية الجديرة بالبقاء.