تحقيق / سارة الصعفاني
قرابة تسعة أشهر من العدوان الهمجي على اليمن وما يزال عالم النفاق يتفرج ..قتل وتدمير وتشريد وحصار، يواكبه ضخ للمال والسلاح باتجاه مثلث داعش والقاعدة وأدوات الارتزاق لتغطية ما فشلت فيه السعودية على ما تسميه حدودها الجنوبية.. يواكب ذلك شراء للعملاء وتحريض إعلامي يزيف الواقع ويروج لاستباحة دماء اليمنيين على أساس طائفي ومخططات تفكيك النسيج الاجتماعي المتزامن مع قصف جوي وبحري هستيري لا يستثنِ شيئاً وعلى نحو يؤكد أن العدوان امتداد لتاريخ جار متغطرس ومسكون بالرغبة في إضعاف اليمن وإذلال شعبه ونهب ثرواته .
تلك خلاصة عامة لآراء سياسيين وأكاديميين حيال العدوان السعودي المتواصل على اليمن وتداعيات وانعكاسات استمرار السعودية في عدوانها على اليمن وإثارتها الفتن وتصديرها لما اعتادت عليه من التحريض لجماعات القتل والتكفير والنفخ في النزعات الانفصالية.
وفي التفاصيل يرى رئيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في جامعة صنعاء د. سامي السياغي أن النسيج الاجتماعي في اليمن لا يزال بخير بالرغم مما طرأ من انعكاسات سلبية جراء العدوان السعودي الحاقد يقول: حتى أن النتائج جاءت بتأثير مناف لذلك النهج بدليل انكشاف الكثير من الدعوات والتصرفات الشاذة لبعض القوى والتيارات المنحرفة الداعية إلى خلخلة أسس التماسك الاجتماعي وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية والمناطقية، فأوجاع اليمنيين وآلامهم ومآسيهم جراء العدوان كشفت على الدوام عبث تلك الدعوات التمزيقية .
استهداف نسيج المجتمع
مع ذلك يقر الدكتور السياغي بآثار سلبية للعدوان وخطابه الإعلامي، قائلاً: لكن ذلك عموماً لا ينفي وجود تداعيات سلبية تتجلى تأثيراتها على التماسك الاجتماعي رغم طبيعة الانقسام ما بين القوى السياسية اليمنية ومن يواليها على طرفين يختط أحدهما سبيل الحرية والاستقلال والكرامة الوطنية فيما ينتهج الطرف الآخر نهج الارتماء في حضن العمالة والارتزاق واستدعاء القوى الخارجية لتدمير اليمن وقتل أبنائه.
يلفت الدكتور السياغي إلى ملمح آخر لتلك التأثيرات السلبية اللاإنسانية التي تمارسها قوى الإرهاب ضد اليمنيين انطلاقاً من دوافع ومبررات مقيتة ناهيك عن تأثيرات أخرى لذلك النهج السعودي الذي يستهدف بنية الوحدة اليمنية على المستويين المادي والاجتماعي من خلال محاولة تعزيز الفصل الجغرافي بين اليمنيين شمالاً وجنوباً وجعله أمراً واقعاً ومحاولة التأسيس لواقع سياسي وإداري في المحافظات الجنوبية والشرقية منفصلاً عن المحافظات الشمالية وعاصمة دولة الوحدة، وترك تنفيذ ذلك الأمر لأي كان من القوى الموجودة على الساحة الجنوبية أكانت مليشيات أم قوى إرهابية .
خطاب مسموم
يشير الدكتور سامي السياغي إلى أداة خطرة لتحقيق ما سلف هي الإعلام، يقول: يحرص العدوان السعودي على بث خطاب موجه ومكثف عبر وسائل إعلامية تغذي النزعات الانفصالية لدى أبناء الجنوب وتخلق حالة من الكراهية والعداء بين أبناء الجنوب والشمال وتصوير مستقبل جنوبي مشرق بعيداً عن الشمال من دون أدنى مراجعة للمخرجات الأولية السيئة والمحبطة لذلك السيناريو على أرض الواقع في بعض المحافظات الجنوبية والشرقية والذي تتجلى في إحداثياته مظاهر الانفلات الأمني وجرائم الاغتيالات والقتل واقتحام مؤسسات الدولة وتمكين الجماعات الإرهابية من السيطرة على مقدرات الدولة ومصائر المواطنين ومصادرة حرياتهم.
ويختتم د. السياغي حديثه بالقول: هذه الحال أوجدت بيئة مناسبة ناشئة عن وجود إشكالات حقيقية ناتجة عن الإرث السياسي للأزمة في اليمن منذ إعادة توحيد شطري اليمن, وهو ما نأمل أن يظل محدود التأثير مقارنة بسقف نتائجه التي تهدف إليها السعودية بعد أن أثبت المجتمع اليمني وعياً مصيرياً عالياً بطبيعة الأخطار التي تهدد كيانه ووجوده وتماسكه وبدا برغم معاناته الشديدة على أكثر من مستوى مدركاً تماماً لأولوياته وللسبيل الأكرم لتلبية تطلعاته في وطن حر مستقل يملك قراره للانطلاق نحو مستقبل اليمنيين وليس غيرهم .
فشل العدوان وهزيمته
من جهته يرى مدير عام الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة الدكتور إدريس الشرجبي – أن السعودية لم تجن ولم تحقق أي نجاح حتى اليوم سواء من عدوانها المباشر على اليمن أو من خلال دعمها لعملائها في جبهات الاحتراب الداخلي.
يقول: كل ما حققته السعودية هو سقوطها في مستنقع الإرهاب والإجرام بحق الأبرياء في مقدمتهم الأطفال والنساء الذين مزقت السعودية أجسادهم بغاراتها على الأهداف المدنية في طول البلاد وعرضها في انتهاك صارخ وفاضح للقانون الدولي والإنساني ، بعدما استطاعت أن تشتري الضمير الإنساني على مستوى المجتمع الدولي للمنظمات والأفراد في سابقة وفضيحة دولية لم يسبق لها نظير .
أما على مستوى الأهداف العسكرية فيرى الدكتور الشرجبي أن الشعب والجيش اليمني ولجانه الشعبية استطاعوا هزيمة التحالف الصهيوسعودي على الرغم من أن هذا الشعب اليمني محاصر ومعزول عن العالم منذ قرابة تسعة أشهر إلا أنه تمكن من هزيمة أغنى تحالف عدواني عرفته البشرية ، وللدلالة على ذلك يكفي أن يعلم العالم بأن السعودية التي اشترت أسلحة بمئات المليارات قد عجزت ، وها هي تعتقد واهمة أنها إذا ما اشترت ?? ألف قنبلة ذكية كما يسمونها سوف تتجاوز جبن وفشل جيشها المهزوم .
ويضيف د.الشرجبي: السعودية سقطت في مستنقع آخر هو مستنقع السقوط الإنساني والأخلاقي وظهرت في اجتماع الدول العشرين كداعمة أساسية للإرهاب في العالم، وكانت كلمة الرئيس الروسي بوتين في الاجتماع أشارت إلى السعودية وقطر بشكل واضح، كما أنها فشلت في إثارة النعرات الطائفية والمذهبية بين أبناء شعبنا ، وها هم أبناء تعز يقفون بثبات لمساندة الجيش واللجان الشعبية في مواجهة العدوان وعملائهم في الجبهات الجنوبية .
أجندة دولية
قريبا من الدكتور ادريس الشرجبي ولكن من أبعاد أخرى يرى د.منير سيف أن استمرار العدوان الخارجي ودعمه الاحتراب الداخلي بتدمير النسيج الاجتماعي وتفشي مرض الطائفية الذي قد يطول التعافي منه، وبأن استمرار الصراع يخلق فجوة أمنية كبيرة يتيح للجماعات المتشددة الانقضاض على ما تبقى من معالم الدولة وتنفيذ مشاريعهم الخاصة .
يقول : السعودية لا تمتلك مشروعاً تنموياً قد يخلق حالة من الاستقرار والرخاء لليمن، هي تبحث عن بدائل تستطيع الاعتماد عليها في المستقبل، غير ما هو متاح الآن في الميدان، ودول تحالف السعودية لا تدرك خطورة الأجندة الدولية و”الشرق الأوسط الجديد”، إن استمرت الحرب في اليمن سيبدأ التأثير على دول الجوار تأثيراً اقتصادياً يليه التأثر السياسي.
مخطط تمزيق الأمة
يتفق المهندس حمزة الأشول مع الدكتور منير سيف أن الأنظمة العربية كلها تقود الوطن العربي باتجاهات كارثية مخصصاً أنظمة الخليج بعد أن وصفها بالكارثة الكبرى، يقول: أنظمة الخليج بسياساتها غير المدروسة وغير العقلانية لاتخدم سوى مشروع تمزيق وتفتيت الأمة العربية والإسلامية، والأكثر كارثية أن معركة اليوم تدار تحت لافتات مذهبية، ولن تقوم لنا قائمة حتى يتم إبعاد التوظيف السياسي للدين، وإطلاق الحريات بما فيها حرية الفكر والاعتقاد .
سقوط السعودية
أما الصحافي والناشط السياسي محسن العمودي فيرى أن العدوان السعودي على اليمن بعد مرور قرابة 9 أشهر قد فشل تماماً أمام الصمود الأسطوري لليمن وشعبه وتلاشت معه تدريجياً إمكانية تحقيق مآربه بتركيع اليمنيين وإجبارهم على رفع راية الاستسلام، يقول: هم يحملون كماً من الحقد والكراهية لهذا البلد وشعبه، واعتقدوا أنها نزهة جوية وبرية وسيحققون أهدافهم، علماً أنهم جميعاً لا يملكون أي رؤية أو هدف من وراء عدوانهم ولا يمتلكون استراتيجية لما بعد حربهم.
يضيف العمودي : يريدون تصدير أمراضهم وبخاصة الدينية ممثلة في الفكر التكفيري الذي لا يقبل بالآخر غير مدركين أننا في اليمن قد تعايشنا على مدى قرون مع بعضنا البعض في وئام وانسجام ولم نعرف التعصبات والاحقاد المذهبية وآثارها التدميرية ، وكلي ثقة بأن اليمن باق وهم إلى زوال .
الشرق الأوسط الجديد
فيما يرى د. أحمد حمود المخلافي أن المصالح الإقليمية والدولية أنتجت تعقيدات المشهد السياسي في اليمن وتطوره إلى اقتتال داخلي وعدوان خارجي، يقول: رغم خطورة هذه المصالح الاقليمية والدولية على وجودنا الاجتماعي والاقتصادي والسياسي إلا أننا ما نزال نواصل الاقتتال، ونواصل الانقسام بين رافض للعدوان الخارجي مقاوم له وبين مؤيد له مطالب باستمراره بدلاً من توحيد موقفنا جميعاً للدفاع عن مصالحنا الوطنية وعن أمن وسلامة بلادنا خصوصاً في ظل وضع مأزوم وبائس كهذا الوضع الذي يستمر عربياً بالشلل والعجز والتردي، كما يتسم عالمياً بالتورط والتواطؤ.
يضيف: السعودية لا يمكن أن تدعم مقاومة ذات مشروع وطني مستقل وتقدمي في اليمن كما أنها لا يمكن أن تدعم إلى النهاية إخوان اليمن ليكونوا البديل القادم من جهة ثانية فضلاً عن أنها فقدت الأمل في إحياء المراكز القبلية التي كانت تابعة لها تاريخياً لذلك فالمتوقع هو استمرارها في إذكاء نار الفتنة والتطاحن الداخلي رغبة منها في إخماد نفوذ كل القوى وخلق حالة دائمة من عدم الاستقرار ولا بديل للحد من ذلك سوى الحل اليمني الخالص .
وفي هذا يؤكد الدكتور المخلافي أن أي محاولات لفرض نظام سياسي لا يجسد إرادة الشعب اليمني في صياغة دستور ديمقراطي يؤسس لدولة مدنية حقوقية، ويجري انتخابات ديمقراطية شفافة ونزيهة لا محالة سيشكل عوامل تهديد حقيقي لاستقرار تلك الدول وسيزعزع عوامل الثقة بين مجتمعنا ومجتمعات تلك البلدان.
فشل النخب السياسية
ويشير الدكتور أحمد المخلافي أن الحرب الداخلية والعدوان العسكري الخارجي هما النتاج الطبيعي لفشل النخب السياسية التي تشترك جميعها في عدم جاهزيتها لبناء الدولة المدنية ” دولة النظام والمؤسسات والقانون، يقول : لم يعد خافياً على أحد أن تاريخ هذه النخب حافل بالصراع على السلطة، انطلاقاً من المصالح الذاتية والحزبية والمناطقية وليس ضمن إطار مشروع وطني؛ فهي لا تمتلك مشروعاً وطنياً مشتركاً حتى بحدوده الدنيا، وربما لا تؤمن به أصلاً.. ولهذا عجزت عن تقديم النظام البديل الأفضل.
ويضيف: الاستمرار في تغييب المشروع الوطني الجامع المانع, والاستعاضة عنه بنظام المحاصصة سيؤدي حتماً إلى إعادة تشكل مراكز للنفوذ والاستقطاب وسيعزز عوامل استمرار الصراع، واستمرار الحرب الداخلية ستفضي إلى انهيار الوطن، ومواجهة مصير بائس، محفوف بغضب الشعب ولعناته، وقواه هي جماعات تصر على اختزال البُعد الوطني في الدفاع المستميت عن مصلحة شخص أو حزب أو جماعة.
كوارث تنتظر السعودية
على أن الدكتور أحمد المخلافي يرصد عواقب وخيمة للعدوان على النظام السعودي نفسه، يقول: إن توريط السعودية في حرب ضد جيرانها اليمنيين هو جزء من الترتيبات الخفية الممهدة للتغيير السياسي فيها..
وذلك ما تحدث عنه (مايكل لودين)، عضو مجموعة المحافظين الجدد في عام 2002م، حيث قال لـ(جورج بوش): “علينا أولاً أن ننتهي من الأنظمة الإرهابية، بِدءا من الثلاثة الكبرى (إيران والعراق وسوريا) ثم سننشغل بالسعودية.. نحن لا نريد استقراراً لا في العراق ولا في سوريا ولا في لبنان ولا في إيران ولا في العربية السعودية.. نريد أن تتبدل الأشياء، والمسألة ليست في معرفة ما يجب زعزعته، ولكن كيفية فعله”.
ويستشهد د. المخلافي أيضاً برؤية (جون برينان) مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “CIA” لما يحدث في منطقتنا في أن “الشرق الأوسط الذي نعرفه انتهى، وأشك بأن يعود مجدداً.. التقسيم آت.. لا اعتقد أن هناك إمكانية للعودة إلى الوضع السابق.. عندما انظر إلى الدمار في سوريا وليبيا والعراق واليمن يصعب عليّ أن أتخيل وجود حكومة مركزية في هذه الدول قادرة على ممارسة سيطرة أو سلطة على هذه الحدود التي رسمت بعد الحرب العالمية الثانية.. كما أن الحل العسكري مستحيل في أي من هذه الدول”.