تحقيق/ مُحَمَّد إبراهيم- طارق وهاس
* اجتاحت الساحات العامة والشوارع والأزقة في شكل بسطات متحركة وباعة متجولين لقناني المشتقات النفطية
* مؤشر الانتشار العبثي للسوق السوداء سيقود إلى حرائق لا تحمد عقباها وإلى كوارث بيئية مزلزلة
* وسائل السلامة منعدمة.. وخمسة حرائق في شارع واحد بالأمانة
الساعة الخامسة والنصف عصراً بتوقيت صنعاء، لا شيء يحرك هواجس القات وطلائع الساعة السليمانية التي ينتظرها (علي الريمي) في باب محله التجاري وسط شارع خولان، كان حزيناً جامداً رغم نشوة القات، غير أن نفسه تعتصر بصمت حسرة تراجع مستوى العمل اليومي في محله.. يتأمل قشاشات صغيرة أمامه على الرصيف، يحركها الهواء فتشيء بألوان أحلامه التي قتلتها تطورات الحالة اليمنية، وتداعيات العدوان الظالم المؤسفة، على البشر والشجر والحجر، كانت الرياح المحملة بأكياس البلاستيك وروائح الديزل والمازوت والغاز التي تتبخر على طول الشارع، تقطع حبال أفكاره الموجوعة، وصمته الذي يتوقد حزناً لذيذاً فوق جمر المنغصات.. فجأة سمع جلبة مخيفة على بُعْد أمتار من باب محله، فالتفت مفزوعاً.. يا ربّاه.. لم تأتِ الساعة السليمانية، انما أتت طلائع الجحيم، سيارة محملة ببراميل ديزل تحترق بعنفوان مرعب ليقفز الريمي من «مَدْكاه» المرتفع بقدر متر، والمعد بعناية داخل محله قريباً من الباب إلى الرصيف…:
(الله، الله، الله، طف طف طف طفوها يا جماعة با تعمل لنا كارثة، الشارع يضج بالمشتقات والغاز.. كم حذرناكم يا جماعة..!!!!!!!.. أهممممم.. هذا الذي كان ناقصنا…!!!)
هكذا كان يتحدث علي الريمي وهو يغلق محله بسرعة جنونية وخثرات من القات الأرحبي تتطاير، من فمه، كان يريد الذهاب لمساعدة صاحب السيارة وأطفاله اليافعين الثلاثة لإطفائها لكنه، رأى الناس تفرّ من المحلات والبسطات خوفا من اتساع الحريق وانفجار أسطوانات الغاز…
في هذا التحقيق سنرى كيف استحالت السوق السوداء إلى خطرٌ محدق بالعاصمة بعد أن اجتاحت الساحات العامة والشوارع والأزقة في شكل بسطات متحركة وباعة متجولين لقناني المشتقات النفطية، معظمهم لم يبلغوا رشدهم بعد….. فإلى التفاصيل:
شرح علي الريمي تفاصيل تلك الحادثة بعد فترة من حدوثها فكانت تلك الصورة ترتسم في خيالي على ملامحه المتجهمة التي تعكس شخصاً عنيد وصبوراً ومثابراً، استمر بمحله التجاري رغم تداعيات هذه الأزمة القاسية، من ناحية.. وتعكس من ناحية أخرى إحساسه بأن هذا قد يحدث في أي وقت في شارع خولان، أو في أي مكان من العاصمة، نظراً لعدم تجاوب الناس مع نصائح أصحاب المحلات، أو مع الجهات المختصة، وعدم استجابتهم لضرورات السلامة على الأقل كعدم إشعال أصابع السجائر في مكان مثل هذا.. وما حدث لصاحب محل المواد الغذائية «علي الريمي» من صدمة على حين غفلة حدث وقد يحدث لأي شخص وبأكثر كارثية منه، ليس من المهم أن نعلم متى حدثت هذه الحادثة التي تعد الحريق فوق الخامس تقريباً في شارع خولان، منذ بداية السوق السوداء إذ أن الأهم كيف استحالت السوق السوداء خطراً يهدد العاصمة على مسمع ومرأى من الجميع..؟؟
شهود عيــــان
يقول أيمن فاروق الصلوي-من سكان شارع خولان: كنت اجلس مع أصدقائي ورأينا اشتعالاً رهيباً وكانت الساعة الخامسة والنصف عصرا فتركنا المكان بسرعة بسبب ما يوجد فيه من مشتقات نفطية واسطوانات غاز وهي جميعها مواد سريعة الاشتعال مما جعلنا نتخوف من البقاء في ذلك الوقت.
فيما يرى يحيى الريمي- قريب علي الريمي- وأحد شهود العيان للحريق ان السبب الأساسي هو تلك السيارة التي جاءت تبيع البترول واشتعل الحريق فيها واحترقت بعض السيارات المجاورة لها وهذا كانت نهاية الجشع والطمع في تعبيه البترول.. مؤكداً أنه بعد القضاء على الحريق بصعوبة تبين أن أحد أصحاب السيارة، كان فوق سيارته جوار برميلين من البترول، فتناول علبة سجائره وأشعل أصبعاً وهو في غفلة عن ما حوله، فيما كان ابنه يباشر تعبئة البترول لسيارة مجاورة، من البرميل الذي فوق سيارته، فنشب الحريق في طرفة عين..
أما مروان احمد ناصر- عامل في احدد المحلات المجاورة للحريق فيشبه المنظر كما لو أنه شاهد فلماً حيث قال: كنت داخل المحل الذي اعمل فيه وقتها سمعت بأصوات الناس ورأيت اشتعال مهول والبراميل تحترق بصورة مرعبة وأسرعت بإغلاق المحل وعند خروجي كانت بعض السيارات تحترق ومنها سيارة هيلوكس التابعة لصاحب البترول ولا استطيع أن أنسى ذلك المنظر .
ويقول «سلمان»- احد المشاركين في إطفاء الحريق: كنت أمشي في الشارع وشاهدت برميل يحترق فوق سيارة هيلوكس حتى احرق السيارة وباقي البراميل وذلك اثنا تعبئة الناس للبترول وانتشر الحريق إلى جميع تلك المنطقة المحيطة واستمرار الحريق من الخامسة وحتى بعد العشاء.. ما ألحق أضراراً بالغة في السيارات وبعض المحلات التجارية ونشر الذعر في كل شارع خولان والأحياء المجاورة لمكان الحريق.
وكعادته يأتي الدفاع المدني آخر واصل إلى منطقة الحادثة، وهو ما لفت إليه مجاهد شرهان احد تجار المشتقات النفطية، مؤكداً أن تأخر الدفاع المدني لإطفاء الحريق سبّب هذا الكم من الأضرار، وأن جميع من قاموا بالإطفاء مواطنون والدفاع المدني لم يأت إلا بعد إطفاء الحريق..
ويواصل شرهان حديثه: عندما كنت اجلس على سيارتي (الديّنة) وجاء احد الدلالين لبيع البترول واشتعال برميل فوق سيارته وانتقل الحريق إلى سيارتي ولكن الحمد لله جمع الأضرار مادية ولا يوجد أي ضحايا..
هذا الحريق يعد الخامس في مستوى الحرائق التي حدثت في كثير من شوارع العاصمة، ويعد الثاني في شارع خولان نفسه، وأياً كانت الأماكن التي حدثت فيها فالمسألة لا تقارن بخطر ما هو قائم الآن حيث تنتشر اليوم في كل شوارع العاصمة مظاهر السوق السوداء بعبثية مطلقة..
صحيفة الثورة.. تنبيه مبكر
صحيفة الثورة نبهت مبكرا من تنامي السوق السوداء واجتياحها لشارع خولان في يونيو الماضي، حيث نشرت تحقيقاً تحت عنوان: (شارع خولان .. منطقة قابلة للاشتعال) ناقلة يومها أن المشهد المجحف في حق المواطن المسكين يتكون من سوق سوداء تبدو أكبر من بورصة علنية بحضور شعبي كبير وبتغاض رسمي، تحت ذرائع الحرب وتداعيات العدوان البربري علي اليمن، وهو يضاعف من جهل المواطن بخطورة انتشار المشتقات في هذا الشارع.. إذ تنتشر على امتداد شارع خولان «دينات صغيرة وكبيرة وقاطرة وبسطات وباعة متجولون .. ليبدو يومها كل شيء في شارع خولان مميت حتى الشارع صار قابلاً للاشتعال في أي لحظة.. فالمشهد الأكثر عبثية يتلخص في زحام السيارات المتوقفة من أمام مقبرة ماجل الدمة حتى بداية الجسر الممتد بين جولة شارع خولان مقابل جولة تعز، طبقة الأسفلت صارت مغطاة بالزيت والديزل، إذ تكونت طبقة سوداء مع مرور الزمن، لتتصاعد روائح الغاز والبنزين والديزل إلى المركبات، في مشهد ينذر بكارثة قد تحصل لا سمح الله فهذه سوق سوداء تمثل الجحيم.. بيــع عشـــــوائي, انتشار على الأرض للمحروقات، ففي حال حصل حريق، ستدمر المنطقة خصوصا الشارع يضج بدباب الغاز المنزلي وأطنان البترول والديزل الموزع بين السيارات وفي الأزقة، وخلف أكوام البضائع ومكدسات الورش في بعض المحـلات.
وهاهي صحيفة الثورة اليوم تنقل صورة أكثر خطورة من شارع خولان.. إذ اجتاحت السوق السوداء شوارع العاصمة وفي حال استمرت الأوضاع كما هي ستشكل هذه المظهر خطراً قاتلا ونافذا على كل العاصمة، فقت تحولت قناني الزيت والنار إلى قنابل موقوتة في كل الشوارع ..