تفكك تحالف “الحزم”..عبثية العدوان تعجل بنهايته
حق لبعض المحللين شرقا وغربا اعتبار عملية “عاصفة الحزم” دعاية وعلاقات عامة أكثر منها حربا بالمفهوم التقليدي فمع بدايتها قبل حوالي 3 أسابيع قوبلت بأسئلة تقليدية يطرحها الجميع بما فيهم المتخصصون عن أهداف الحرب ومداها الزمني والمكاني وأفقها العسكري والسياسي فأولا وأخيرا الحرب هي وسيلة أخرى لتحقيق هدف سياسي لكن الإجابة جاءت متعثرة وغير واضحة كما الحرب نفسها فلا أفق سوى قتل الشعب اليمني اعتمادا على غارات جوية تجاوز عددها 2500 غارة استنفذت في أسبوعها الأولى بنك أهداف معد سلفا بالتعاون بين واشنطن والرياض كما صرح عادل الجبير سفير المملكة في واشنطن قبل أيام.
ولأن الحروب لا تقتصر فقط على الغارات الجوية ولأن تحقيق أي تقدم عسكري يلزمه عمل بري فأن العدوان السعودي على اليمن لم مثل علامة استفهام وتعجب لدى الكثيريين فبينما ارتفع عدد ضحايا الحرب إلى سقف 3 ألاف قتيل بخلاف المصابين وتدمير البنية التحتية لليمن فأن الرياض لم تضع أي تصورات آنية أو مستقبلية عن أفق الحرب وكيفية إنهائها أو حتى الهدف المرجو منها فإذا وضع العدوان السعودي على اليمن على مقياس الحروب في التاريخ المعاصر فأن مفهوم الحرب التقليدي يبتعد كل البعد عن ما يحدث هناك فالحرب أولا وأخيرا هي تحقيق هدف سياسي بواسطة القوة العسكرية والتي لا تتجاوز في معظم الأحوال سقف زمني وجغرافي محدد وأفق عسكري يراد منه تحقيق هدف استراتيجي بالتوازي مع اصطفاف إقليمي ودولي يعطي شرعية لهذه الحرب المنوطة ليس فقط بإنجاز سياسي ولكن أيضا بالوصول إلى تسوية أزمتها الأساسية التي أدت لاندلاعها سواء بانتصار عسكري ساحق يفرض صاحبه شروطه على المهزوم أو إلى طاولة مفاوضات كغالبية الحروب المعاصرة.
لذا يجد المحللين السياسيين والعسكريين صعوبة في فهم طبيعة عملية “عاصفة الحزم” فهي كغير معظم العمليات العسكرية ليس لها هدف سياسي معلن أو حتى استراتيجية عسكرية يؤدي تنفيذها إلى حلحلة موقف سياسي معقد استنفذت فيه كل السبل السياسية الأخرى وبخلاف هذا وذاك فأن “عاصفة الحزم” مع قرب دخولها أسبوعها الرابع فأنه كما يبدو أنها حملة علاقات عامة وإعلامية تهدف لتلميع شخصيات البيت السعودي الحاكم الجديدة أكثر من كونها حرب شنت من أجل أهداف سياسية محددة أو لانجاز عسكري ميداني يغير معادلة سياسية قائمة.
يرى المحلل والمؤرخ العسكري البريطاني ماكس هيستنجس في مقال تحليلي له بصحيفة “ديلي ميل” البريطانية أن “التدخل السعودي في اليمن يعد حلقة شاذة من حلقات الأعمال العسكرية في منطقة الخليج الفارسي فهو ليس كحرب الخليج الأولى التي انغمس فيها كل من صدام والخميني على خلفية الثورة الإسلامية في إيران وتحولها لتهديد لنظام البعث العراقي ولا حتى كتدخل مصر الناصرية في اليمن في الستينيات حيث انتفاضات التحرر الوطني التي دعمتها مصر ضد النظام الثيوقراطي الإمامي في اليمن آنذاك وللمفارقة كانت السعودية تقف ضد مصر وقتها وتدعم الملكيين اليمنيين ضد تحالف الوطنيين اليمنيين الذين دعمتهم القاهرة والأن يحدث العكس. عاصفة الحزم كما أطلق عليها السعوديين لا تقدم خط عسكري واضح للحرب الإعلام الرسمي يضج بانتصارات جوية على حركة الحوثيين والأخيرة تتقدم على الأرض (..) القاهرة تقف حائرة في التحالف الذي دعيت إليه بعجالة والذي لا مبرر له واقعيا سوى حاجة النظام المصري إلى الأموال السعودية وحاجة النظام السعودي إلى الجيش المصري. تركيا أيضا تجد أنه من المهم التلاقي مع الرؤية السعودية لإيجاد عامل مشترك في سوريا باكستان حليفة السعودية تتهرب من تورط عسكري قد يؤدي إلى الإضرار بعلاقاتها مع إيران الجارة اللصيقة ويضر أيضا مجتمعيا بصورة الجيش الباكستاني الذي سيبدو وكأنه جيش من المرتزقة. لذا نجد أنه للمرة الأولى في القرن الحادي والعشرين دولة تعلن الحرب ولكن بأسلحة وجنود دول أخرى”.
في السياق نفسه رأت صحيفة “فورين بوليسي” الأميركية في افتتاحيتها الأسبوع الماضي أن”حرب اليمن الجديدة تكاد تشبه في أسباب اندلاعها بالنسبة للسعودية حرب فيتنام التدخل الأميركي حينها كان ضرورة في نظر الإدارات الأميركية حتى ما بعد نيكسون لمواجهة الإتحاد السوفيتي في الحرب الباردة الأن الرياض ترى أن مواجهة الحوثيين ضرورة لكبح جماح إيران خصمتها الإقليمية التي تمددت إلى اليمن عن طريق دعم الحوثيين بالإضافة إلى كون السعودية تبحث عن انتصار نوعي في صراعها مع الأولى حيث منيت السعودية بإخفاقات في ساحات الصراع مع إيران في لبنان وسوريا والعراق وأخيرا اليمن. الفارق بين حرب فيتنام وحرب اليمن هو أن الولايات المتحدة اضطرت إلى أن تتدخل بنفسها بقواتها هناك وليس فقط دعم حلفاءها في فيتناك الجنوبية أما السعودية فأنها تعول على حلفاءها