الأكاديميون في الجامعات اليمنية مثال للتعايش السلمي فيما بينهم

على الرغم من الظروف والأحداث والتطورات المتسارعة على الساحة اليمنية بالإضافة  إلى احتدام المواقف والتباينات والتناقضات السائدة بين المكونات السياسية وتبادل الاتهامات والتخوين والشحن والتأجيج الإعلامي والتعبئة الخاطئة والمستمرة وبث سموم الكراهية بين أوساط السياسيين والأحزاب السياسية والمكونات الأخرى لدرجة أوصلت الجميع  إلى المواجهات والمجابهات والصراع العسكري في مختلف الجبهات في المحافظات.
أشرنا إلى أنه على الرغم من هذا كله , فإن فئة الأكاديميين في الجامعات اليمنية يعدون مثالا ونموذجا طيبا يحتذى به من خلال تعاملاتهم الحضارية وفي تعايشهم السلمي على الرغم من انتماءاتهم وتوجهاتهم السياسية والحزبية, فهم يلتقون في الجامعات والكليات وقاعات المحاضرات والممرات فيسلمون على بعضهم بعضا ويسألون عن البعض الآخر ويتضامنون مع المريض والمحتاج أو الذي يواجه بعض المشاكل الاجتماعية أو الأكاديمية, ويتبادلون الابتسامات والضحكات والفكاهات فيما بينهم لدرجة لا تشعر أنهم ينتمون  إلى أحزاب عقائدية أو منظمات جماهيرية متعصبة ولا يختلفون في شيء, وبالتالي لا تنشأ بينهم العداوات أو البغضاء أو المماحكات الظاهرية إلا ما ندر والنادر لا حكم له .
وقد عايشنا هذا الوضع وتعايشنا معه منذ عام 2011 حينما كانت المماحكات والمكايدات والاتهامات والصراعات بين الأحزاب في قمتها ورغم ذلك ظل الأكاديميون متماسكين ومتعاونين ومتحدين ومتقاربين, وهذا شيء نادر وغريب في دولة شبه منهارة سياسيا وأخلاقيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وعسكريا وأمنيا وأحقاد وضغائن وصراع مسلح وإقصاءات وتهميش للطرف الآخر.
وقد لاحظنا المشهد السياسي المصري والليبي والسوري والعراقي كيف أن الأكاديميين في جامعات تلك الدول قد ظلوا وما زالوا منقسمين ومشتتين ومتباعدين ومتباغظين ويسود حياتهم الجامعية الأحقاد والتباينات الشديدة وانعدام الثقة فيما بينهم وكذلك روح المحبة والتآلف والزمالة وبصفة خاصة أساتذة الجامعات المصرية من الإخوان المسلمين فهم يتعاملون مع بعضهم بأنانية والشكوك والتخوين وعدم الثقة . وباتوا يعيشون لحظات الماضي بكل صورها السلبية والإيجابية ولا زالوا مصرين على عدم الاعتراف بالحاضر وتطوراته ومتسجداته وتغيراته وسماته وإيجابيته وانجازاته وقدرته على تجاوز كل المحن والكوارث والمخططات التي رسمت لتدمير المجتمع المصري وتفكيك نسيجه الاجتماعي وتعايشه السياسي والديني. ولذلك فنحن في اليمن كأكاديميين نشكر الله ونحمده كثيرا أننا لا زلنا في نعمة وفي خير طالما ما زال الخير فينا ولم ننزلق بعد  إلى الصراعات فيما بيننا لأن كل أستاذ جامعي ينظر إلى الأحداث والتطورات الجارية على أنها سحابة صيف عابرة وأن تلك الصراعات بين المكونات السياسية والقبلية سيكون مصيرها إلى الزوال وان الأكاديميين حريصون كل الحرص على الثقة بينهم وألا يورثوا الأحقاد وزرع الكراهية فيما بينهم , لأننا لا زلنا في الأول وفي الأخير نخبة أكاديمية ذات نسيج ثقافي وأكاديمي متجانس ومتضامن حيث تربطهم علاقات ودية وحميمية بصرف النظر عن اختلاف وجهات النظر بين أحزابهم ولا ينبغي أن تنزلق أو نصل  إلى ما وصلت إليه الأحزاب ولا ينبغي أن ننزلق أو نصل إلى ما وصلت إليه الأحزاب القائمة من سفه وجنون لأن ذلك وبلا شك سيؤثر على العملية التعليمية والتربوية في الجامعات بصرف النظر عن وجود  بعض المشاحنات والمضايقات والاحتكاكات والاختلافات الطفيفة في عدة مواقف ولكنها لا تصل  إلى  درجة القطيعة أو التفكك أو التناحر أو التباغض. فالأكاديميون تجمعهم وتوحدهم قواسم مشتركة من تضامن وتضافر وتكافل وتعاون كما تجمعهم مهنة تعليمية وتربوية واحدة ومقدسة ولهم نقابة مهنية منتخبة تدافع عن حقوقهم وتتابع متطلباتهم وتعمل على توحدهم في كل المواقف والأزمات.
ومن هنا كنا نتمنى من قادة الأحزاب السياسية في بلادنا أن يحذو حذو الأكاديميين في الجامعات في التعايش السلمي. حيث إن هؤلاء قد فقدوا صوابهم وفقدوا مصداقيتهم أمام الشعب الذي أوكل إليهم مهمة إصلاح البلاد وإخراجها من هذه المحنة المفتعلة والتي من الممكن أن تصل باليمن  إلى شفا حفرة من الحرب الأهلية المدمرة التي لا تبقي ولا تذر وأن تكون لغة الحوار هي السائدة والتفاهمات والمصالحات والتسامحات وأن تكون من أولى أولوياتهم مراعاة المصالح العليا للبلاد قبل مصالحهم الشخصية الضيقة.
فلماذا لا تحتذون بالأكاديميين في الجامعات اليمنية في تعاملهم الراقي وتعايشهم السلمي.
* أكاديمي بجامعة صنعاء

قد يعجبك ايضا