القوة العربية المشتركة»: حماية للأمن القومي.. أم للأنظمة¿

مصطفى بسيوني

على ألحان نشيد «وطني الأكبر» أعلنت القمة العربية موافقتها على مبدأ إنشاء قوة عسكرية عربية مشتركة.
القرار لا شك سيذكره التاريخ كأحد أهم القرارات التي اتخذتها القمم العربية وإن كانت قرارات قمة شرم الشيخ قليلة عموما.
ولكن الكيفية التي سيتذكر بها التاريخ هذا القرار لا يمكن معرفتها اليوم بدقة بل ستتوقف على الكثير من التفاصيل.
تفاصيل تشكيل القوة المشتركة والدول العربية المشاركة فيها وأهدافها وآليات عملها وغيرها من التفاصيل ستحدد وضعها في التاريخ العربي.
ولعل أول ما يتبادر إلى الأذهان عند الحديث عن بناء قوة عربية مشتركة هو أننا بصدد تغيير مهم في التوازن الإقليمي فالقوى العسكرية الرئيسية إقليميا هي إسرائيل وتركيا وإيران وبالتالي فإن تشكيل قوة عربية مشتركة قد يعني بروز قوة جديدة تغير في هذا الوضع خصوصا أن توحيد القدرات العسكرية العربية قد ينتج عنه قوة متفوقة إقليميا على باقي القوى القائمة حاليا.
كذلك قد يعني الأمر انتهاء حاجة الدول العربية والخليجية بالذات إلى وجود قواعد عسكرية أجنبية على أراضيها والاستعاضة عنها بالقوة العربية المشتركة بما يعني تحديا مباشرا لمصالح قوى عظمى مثل الولايات المتحدة.
وإذا كانت تلك طبيعة ونتائج القوة العربية المشتركة فبالتأكيد فإن التاريخ سيذكرها باعتبارها فصلا محوريا في التحرر العربي.
ولكن الخطوة التي سبقت مباشرة الموافقة العربية على تشكل القوة المشتركة تظهر أن المقصود منها مختلف كليا عن كل ما سبق. فالحملة العسكرية التي تقودها السعودية بمشاركة دول عربية في اليمن والحملة السابقة التي حركتها السعودية أيضا لقمع الثورة البحرينية توضح أن العمل العسكري العربي المشترك يخضع لمصالح الأنظمة الأكثر نفوذا وقدرة على التأثير وليس بالضرورة لحماية أمن الدول العربية من الاعتداءات الخارجية أو حماية الشعوب.
ومعروف أن الحروب التي شنتها إسرائيل على غزة ولبنان في السابق لم تشهد الحماسة ذاتها التي تتبدى في الأزمة اليمنية اليوم ليس على المستوى العمل العسكري فحسب ولكن حتى على المستوى السياسي.
وإذا عدنا إلى الدعوة الأساسية لتشكيل القوة المشتركة والتي أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في شباط الماضي سنجد أن الهدف الأساسي الذي انطلقت الفكرة من أجله كان مكافحة الإرهاب. وهنا يجب أن تخفت قليلا ألحان «وطني الأكبر» حتى يمكن فهم طبيعة وأهداف القوة العربية المشتركة بعيدا عن تأثير الخطاب القومي فاحتلال فلسطين والعراق والعدوان على لبنان وانهيار الأوضاع في ليبيا وقبلها الصومال لم تكن المحركات الرئيسية للدعوة ولكن تهديد خطر الإرهاب للمنطقة العربية.
ولا شك أن تصاعد خطر الإرهاب يمثل حافزا قويا للتعاون العربي عسكريا لمواجهته كما حفز القوى الدولية لبناء تحالف ضد الإرهاب لحماية مصالحها في المنطقة العربية ومنع وصول الإرهاب إليها.
من هنا يبتعد مشروع القوة العربية المشتركة عن تغيير التوازنات الإقليمية والاستغناء عن القواعد الأجنبية. فما تحتاجه مواجهة الإرهاب أمر يختلف من حيث حجمه وطبيعته عن ذلك.
ولكن تبقى أزمة التباين في الرؤى بين الأطراف العربية في تعريف الإرهاب وتحديد الأطراف التي ينبغي العمل ضدها. فبعض الجماعات تعتبرها أطرافا عربية إرهابية بينما تراها أخرى حركات مقاومة أو ثائرة. وثمة قوى تسعى أطراف عربية لدمجها في العملية السياسية بينما تصر أخرى على استئصالها. كيف يمكن بناء تعاون عسكري على أساس رؤى على هذه الدرجة من التباين¿
وما يزيد الأمر تعقيدا أن القرار الذي صدر كان شديد العمومية وأحال التفاصيل على اجتماع رؤساء أركان الدول المشاركة في بناء القوة.
السفير هاني خلاف مساعد وزير الخارجية الأسبق يقول في حديث إلى «السفير» إن «أساس فكرة المقترح لم يعالج بما فيه الكفاية الاختلافات في الرؤى بين الأطراف العربية ولم يعالج أحد بما فيه الكفاية الفرق بين التدخل نتيجة تدهور الوضع الأمني لحماية المجتمع والتدخل نتيجة تهديد النظم الشرعية» مشيرا الى ان «هذه التفاصيل مهمة لأن كل خيار فيها يعني قوة عسكرية ذات طبيعة مختلفة».
ويضيف خلاف «بالنسبة إلى مواجهة الإرهاب يجب أن يكون هناك وضوح في التفرقة بين ما هو إرهاب وما هو غير ذلك فحمل السلاح يختلف بالتأكيد عن التظاهر في الشوارع حتى وإن كان الهدف في الحالتين تغيير النظام».
ويقول خلاف «هناك تحول واضح في نظرية الأمن القومي العربي. فتاريخيا كان مصدر التهديد للأمن العربي هو إسرائيل وهذه القوة المزمع بناؤها لن تعمل ضد إسرائيل وهو ما يعني تغير مفهوم الأمن القومي. ومن المفروض أن تعمل تلك القوة ضمن النظام الأساسي لجامعة الدول العربية وال

قد يعجبك ايضا