لا توجد قضية في تاريخ البشرية أوضح وأعدل من القضية الفلسطينية، ولم تتضامن شعوب العالم مع أي شعب آخر كما تضامنت مع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، المظلومية فيها واضحة وضوح الشمس في كبد السماء، لا يوجد شعب في العالم لا يعرف الظالم من المظلوم في فلسطين المحتلة، أو القاتل من المقتول، أو المجرم من الضحية، أو المعتدي والمغتصب والمحتل من المعتدى عليه والمغتصب وطنه والمحتلة أرضه منذ ثمانين عاما تقريبا، اليوم كافة الدول والأنظمة والشعوب حول العالم بمختلف لغاتها وأجناسها وأديانها وأوطانها، ترى نفسها معنية بنصرة القضية الفلسطينية، وإيقاف الجرائم الصهيونية في قطاع غزة، وتتخذ مواقف عملية لمعاقبة الكيان الصهيوني، والأنظمة والدول العربية والإسلامية التي تربطها بالشعب الفلسطيني روابط دينية ولغوية وتاريخية وجغرافية واجتماعية وإنسانية، ترى نفسها محايدة، وتدعي أنها وسيطة، هذا الموقف لا أساس له في القرآن الكريم، ولا في السنة النبوية الشريفة، ولا في المواثيق والمعاهدات الدولية، فالقرآن الكريم يخاطب المسلمين قائلا(وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما، فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفي إلى امر الله)، والسنة النبوية الشريفة تقول(انصر أخاك ظالما أو مظلوما)، وميثاق الأمم المتحدة ينص على: إن الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، والتهجير القسري، من الجرائم ضد الإنسانية التي يحق لأي دولة في العالم أن تتصدى لها ولو بالقوة المسلحة. دول أمريكا اللاتينية اليوم تدعو دول العالم من منصة الأمم المتحدة إلى تشكيل جيش موحد لتحرير الشعب الفلسطيني من الكيان الصهيوني، وقادة أنظمة الدول العربية والإسلامية الذين يعتبرون أنفسهم زعماء لأهل السنة يرحبون بالخطة الأمريكية الصهيونية لتصفية القضية الفلسطينية، ويضغطون على فصائل المقاومة في قطاع غزة للقبول بها، وإلقاء السلاح، وتسليم القطاع لإدارة أمريكية بريطانية صهيونية، هذه الأنظمة ليست محايدة منذ بداية العدوان على غزة، ولم تكن يوما من الأيام وسيطاً نزيهاً في مفاوضات الدوحة، بل كانت وما زالت أداة امريكية لتضليل الشعوب العربية والإسلامية، ومخادعة المقاومة الفلسطينية في هذه المعركة، لا شك أن حقيقة هذه الأنظمة باتت واضحة لكافة الشعوب العربية والإسلامية، لا حياد بين الحق والباطل، ولا وساطة بين المظلوم والظالم.
لنأخذ العبرة من موقف سيد الشهداء على طريق القدس الأمين العام السابق لحزب الله سماحة السيد الشهيد حسن نصرالله -رضوان الله عليه- حينما طلب منه النظام السعودي الوساطة لدى أنصار الله لإيقاف الحرب بين اليمن والسعودية، فقال لهم صراحة أنا لست طرفا محايدا، ولا أستطيع أن أكون وسيطا في هذه الحرب، ولا يمكنني أن أطلب من شعب مظلوم يدافع عن نفسه أن يلقي سلاحه، ويقبل بالهزيمة احتراما للسعودية، هذا هو موقف القرآن الكريم، وموقف السنة النبوية الشريفة، وموقف أهل البيت -عليهم السلام- عبر التاريخ.
لا شك أن الأمة العربية والإسلامية اليوم معنية بإعادة النظر في حكامها وقادتها، وفكرها وثقافتها، وسيرتها وتاريخها، قبل أن يستحكم غضب الله عليها.
*أمين عام مجلس الشورى