استهل خطته السحرية لإنقاذ الكيان بالإطراء طويلاً على كرم «إسرائيل»، بمنحها الشعب الفلسطيني قطاع غزة والتفضل على أبناء غزة بانسحاب مجاني من أراضي القطاع وإعطائها لهم منة، لكن كانت مكافأة الإحسان – كما يقول رئيس أمريكا – من قبل الغزيين الشر والإرهاب والسابع من أكتوبر.
-حديث دونالد ترامب عن قطاع غزة بهذا الشكل السطحي والمبتذل، ينم عن جهل مستفحل وحماقة مركبة ونوايا أكثر قبحاً وخبثاً، بينما تسابق العالم وفي المقدمة الأنظمة العربية إلى الترحيب والمباركة لخطة الرئيس الذي ما فتئ يتباهى بأنه أكثر الرؤساء الأمريكيين دعما للكيان الصهيوني وسرد الكثير من إنجازاته وهو يشرح خطته التي في ظاهرها السلام وفي باطنها العذاب والكذب والخداع والاحتيال على حقوق ومكتسبات شعب قدم عظيم التضحيات في مسيرة نضاله المتواصل للانعتاق من نير الاحتلال.
-حاول ترامب ومعه كثير من أنظمة الدجل والنفاق أن يجعل من الحنظل البري عسلا وأن يلبس الذئاب ثياب الحملان وأن يستخدم الدبلوماسية الناعمة مطية للانقضاض الاستراتيجي على حقوق الشعوب وإرداتها في الحرية والاستقلال وتقرير المصير.
-حملت الخطة الترمبية العديد من الأهداف الخبيثة، منها ما هو آني ومنها بعيد المدى وأخرى على صلة بالبعد الاستراتيجي، أما الهدف القريب فتمثل في محاولة إنهاء العزلة الدولية لكيان الاحتلال الآخذة بالاتساع يوما بعد آخر بسبب ما يرتكبه من جرائم الإبادة الجماعية بغزة ومجازره الوحشية بحق المدنيين من أبناء القطاع واستخدامه الفج للجوع سلاحا في حربه القذرة والمجاهرة بذلك على لسان مسؤولية المتطرفين وغيرها من الانتهاكات الصارخة التي باتت تؤرق الضمير العالمي وأدت الى ضغوطات شعبية هائلة في أكثر من بلد أوروبي على الحكومات الحليفة للكيان، لتباشر بعضها في اتخاذ إجراءات عقابية غير مسبوقة ضد حكومة الإرهاب الصهيوني.
-ألقى ترامب الحالم بجائزة نوبل للسلام بكل غروره وغطرسته لتجميل صورة القتلة في «تل أبيب» وحشر المقاومة والحق الفلسطيني في زاوية ضيقة من خلال تحميلها مسؤولية استمرار الحرب والتهديد مجددا بجحيمه الذي لا يرحم في حال رفضت الخطة إياها، لكن المفاوض الفلسطيني أثبت عبقرية وحنكة دبلوماسية كبيرة وهو ما تجلى بوضوح في رد حماس الذي امتص كل ذلك الهجوم السياسي الكاسح واستطاع بدهاء إعادة الكرة إلى ملعب الاحتلال وحشر نتنياهو وفريقه المتطرف في الزاوية الضيقة.
-فشلت خطة ترامب إلى حد كبير في تحقيق الهدف المنظور وستفشل حتما في تحقيق أهدافها الاستراتيجية الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية وإعادة تشكيل وعي عربي يقبل بفكرة وجود «إسرائيل» ككيان طبيعي وصاحب حق في الأرض والمقدسات، لكن ذلك مشروط بالعمل الفلسطيني والعربي والإسلامي المشترك، وفق استراتيجية شاملة وواضحة المعالم، تتكامل فيها نتائج الصمود الشعبي ومكاسب مجاهدي المقاومة مع الحنكة السياسية والكفاءة الدبلوماسية القادرة على تفويت الفرص على العدو وداعميه ومساعيهم المحمومة لزرع بذور الفرقة والتشظي بين أبناء فلسطين وخلق انطباع عام لدى الرأي العالمي والإقليمي بأن الشعب الفلسطيني بات وحيدا في مواجهة قدره ومصيره.