هل تمثّل خطة ترامب استراحة محارب لإنقاذ الكيان ؟

محمد عبد المؤمن الشامي

 

 

لم يعد السؤال اليوم: هل يملك الكيان الصهيوني القدرة على البقاء؟ بل: كم تبقى له من وقت قبل الانهيار؟ فالكيان المحتل يعيش أسوأ أزماته على الإطلاق: اقتصاد منهك بتكاليف الحرب، مجتمع ممزق ومنقسم، وجيش عاجز عن تحقيق أي إنجاز ميداني رغم كل ما يمتلكه من سلاح ودعم غربي. الحرب الأخيرة كشفت حقيقة لم يعد ممكناً إنكارها: هذا الكيان لم يعد قادرًا على الاستمرار بقوته الذاتية، بل يعتمد بشكل كامل على دعم خارجي عسكري ومالي ودبلوماسي، دون أن يملك القدرة على فرض إرادته كما كان يفعل في الماضي.
في هذا السياق، جاءت خطة ترامب في محاولة مكشوفة لإعطاء كيان الاحتلال المتهالك «استراحة محارب»، لكنها استراحة قسرية تكشف ضعفًا وعجزًا. فما يُقدَّم على أنه وقف مؤقت للقتال أو «حل إنساني» ليس إلا محاولة لإنقاذ منظومة آيلة للسقوط: لإعادة ترتيب صفوف الجيش، وإعطاء الاقتصاد فرصة لالتقاط أنفاسه، وإتاحة المجال للسياسة الأمريكية لاستعادة زمام المبادرة.
لكن هذه الاستراحة لا تغيّر من الواقع شيئًا. محور المقاومة فرض قواعد جديدة للمعركة: غزة بصمودها وعملياتها النوعية التي ضربت عمق الاحتلال ؛ لبنان من خلال حزب الله الذي وجه ضربات دقيقة للمواقع الحساسة وأجبر الاحتلال على التراجع؛ إيران بمواجهتها المباشرة التي أربكت حسابات تل أبيب وواشنطن وأدخلت الكيان في دائرة استنزاف مالي وعسكري لا يطاق.
ولم يكن الدور اليمني إلا عاملًا استراتيجيًا فارقًا. فاليمن بقيادة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، أثبت أن معركة فلسطين ليست قضية جغرافيا بل قضية أمة. من البحر الأحمر إلى البحر العربي، تحولت الممرات المائية إلى ساحات اشتباك مباشر مع الاحتلال. لم تعد السفن المرتبطة بالكيان أو حلفائه تمر بسلام، بل أصبحت هدفًا مشروعًا، ما أدى إلى شلل تجاري وضغط اقتصادي غير مسبوق. إلى جانب ذلك، واصلت الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة اليمنية اختراق العمق المحتل، لتضيف بعدًا جديدًا للمعركة وتؤكد أن الاحتلال لم يعد آمنًا حتى داخل حدوده المزعومة.
هذا الاستنزاف الشامل جعل من خطة ترامب عملية إنعاش يائس، أشبه بمن يحاول ضخ الدم في جسد ميت. فالكيان يعيش على أجهزة التنفس الأمريكية: تمويل عسكري متواصل، دعم سياسي ودبلوماسي، ضغط على المؤسسات الدولية، وإعلام غربي يحاول تزييف الحقائق. لكن الحقيقة الميدانية أكبر من كل ذلك: لا الطائرات الأمريكية تستطيع حماية الاقتصاد الإسرائيلي، ولا المليارات الغربية قادرة على شراء استقرار اجتماعي داخل مجتمع يزداد انقسامًا، ولا أي خطة سياسية تستطيع إخفاء أن المقاومة صارت الرقم الأصعب في المعادلة.
واشنطن، التي تروّج لنفسها كوسيط، لم تكن سوى راعٍ وحامٍ للاحتلال. سجلها مليء بالفيتو ضد أي قرار يدين الجرائم الصهيونية، وبالضغوط التي تعرقل أي مساءلة دولية، وبالإمداد العسكري الذي يغذي آلة القتل. واليوم تعود بخطة لا تحمل جديدًا سوى محاولة إعطاء الاحتلال «جرعة أوكسجين» إضافية ليكمل مسيرة قمعه. لكن هذه الجرعة لن تغيّر النتيجة، لأن الشعوب الحرة ومحور المقاومة رسموا طريقًا آخر للتاريخ.
المقاومة ليست سلاحًا فحسب، بل رؤية استراتيجية لإدارة الصراع. هي مشروع تحرر يثبت يومًا بعد يوم أن الاحتلال مهما طال زمنه، فإن نهايته محتومة. وما 7 أكتوبر إلا محطة كبرى على هذا الطريق: لحظة مفصلية كشفت هشاشة المنظومة الصهيونية، وأكدت أن الشعوب قادرة على تحطيم الأساطير العسكرية التي طالما رُوّج لها.
اليوم، كل المؤشرات تقول إن الاحتلال في حالة انحدار لا عودة منه: نزيف مالي متواصل، هروب استثمارات، شلل بحري وجوي، عزلة دبلوماسية تتسع، ومقاومة تتجدد كل يوم بإرادة لا تلين. وخطة ترامب ليست سوى محاولة لتجميل هذا المشهد القاتم، لكنها لن تمنع لحظة السقوط.
إن الإنقاذ الأمريكي للكيان المحتل لن يجدي، لأن ما يُبنى على الباطل لا يدوم، وما يُواجه بإرادة الشعوب لا يمكن أن يستمر. واليمن، وغزة، ولبنان، وإيران، ومحور المقاومة بأكمله يقدم الدليل العملي على أن الاحتلال يضعف كل يوم، بينما تتسع جبهة الرفض والمقاومة.
العدالة قادمة، وزوال الكيان مسألة وقت، والتاريخ لن يُكتب في البيت الأبيض ولا في غرف اللوبيات الصهيونية، بل سيُكتب في ميادين المقاومة وعن صمود الشعوب الحرة.

قد يعجبك ايضا