العدوان السعودي على اليمن
تأخذ الإشكالية الاجتماعية بين اليمن وقبائلها ونجد وقبائلها بعدا تاريخيا لا تبدأ من قصة عبد يغوث الحارثي ولكنها تمتد قبلها وقد تجلت في السقيفة في بعدها السياسي وفي المواقف والتصورات الذهنية لحكام الدولة الأموية التي ترويها كتب الأدب والأخبار القديمة وقد ظهرت عدائية شديدة في حقب التاريخ المختلفة ترويها الكتب المتعددة التي لم نعرها اهتماما كافيا ولم تبرز بالشكل الذي يجب أن تبرز عليه من حيث الاعتناء والتحقيق ومن حيث البحث والتأصيل العلمي حتى تكون زادا يضيء دروب الحاضر ويرسم معالم المستقبل وحتى تتمكن الذات اليمنية من استعادة وعيها بذاتها الحضارية والتاريخية والثقافية .. إذ أن ما يحدث لليمن في حاضره من قبل آل سعود لا يكاد ينفصل عن بعده التاريخي والثقافي فالثقافة السلفية القائمة على النص والسند لا يمكنها أن تتجاوز ماضيها بل تكون تكرارا له واجترارا لمضامينه وأحداثه وتصوراته ومعتقداته ولو ظننا فيها التبدل والتغير فقد وقعنا في الوهم ولم نتجاوز الظن ولذلك فكل التاريخ يتحدث عن تضاد بين نجد التي أصبحت في تصور عامة الناس وفق النص العقدي لا تتجاوز مفهوم قرن الشيطان الذي يصدر القلاقل والفتن وبين قبائل اليمن التي قال تاريخها بالكر والفر مع قبائل نجد وقد تعمق مثل ذلك التضاد في الفنون الشعبية فـ “المدرهة” التي تنصب للذي يرغب في أداء فريضة الحج ترمز من حيث الذهاب والإياب ومضمون النص إلى التفاؤل بعودة الحاج الذي تغتاله في الغالب الأعم قبائل نجد والصحراء طمعا في مؤنته وزاده ولعل الذاكرة الشعبية ما تزال تحتفظ بالكثير من الأحداث العدائية والإجرامية التي تنفذها قبائل نجد والصحراء على قوافل الحجاج اليمنيين آخرها تلك الحادثة الشهيرة التي حدثت للحجاج في مطلع القرن الماضي وتحديدا في 1921م وقد توالت الأحداث والمؤامرات من خلال تحريض الملك عبدالعزيز القبائل على حكومة الإمام يحيى ومن خلال التعاون مع المستعمر البريطاني في احتلال جزيرة كمران وكان الملك عبدالعزيز حاضرا بشكل معاد في الاعتداء البريطاني على الضالع وثمة وثائق تاريخية تتحدث عن ذلك المساق وتلك النزعة العدائية والتي كانت ذروة اكتمالها حرب 1934م وهي الحملة العسكرية التي امتدت جغرافيا إلى مدينة الحديدة وقال لنا التاريخ عن وحشيتها في التعامل مع الإنسان في اليمن وكيف كشفت عن حقدها الدفين لعرب نجد والصحراء وهو الأمر الذي يعيد إنتاج الصورة النمطية والذهنية لذلك الحقد وتلك النزعة العدائية ذات الجذر التاريخي الاجتماعي والثقافي وإذا حاولنا أن نتجاوز الفترة الزمنية الممتدة 1934-1962م وهي فترة كانت خلاصتها وصية الملك عبدالعزيز لأدولاه والتي تنص على أن بقاء الملك فيهم مرهون بحالة اللاإستقرار في اليمن وهي المنطلق الفلسفي والثقافي الذي تبلور في حرب السنين السبع بين أهل اليمن (1962-1970م) إذ وقفت السعودية أمام حالة الانتقال الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي وكانت أشد ما تكون عدائية حين اغتالت مشروع الدولة المدنية الحديثة الذي قاده الرئيس الشهيد إبراهيم محمد الحمدي ونفذه سفيرها في اليمن يومذاك “الهديان” ولم تكتف بذلك الجرم في حق اليمن واليمنيين بل كانت وراء حالة التشظي والانقسام في اليمن فقد أحبطت كل نية صادقة هدفت إلى توحيد اليمن وزرعت القلاقل والفتن يبن شطري اليمن إلى درجة إعلان الحروب وما يحدث اليوم من تدمير للجيش والمؤسسات الأمنية والعسكرية ومن ضرب متوال وتدمير للعدوان السعودي على اليمن له ما يماثله وهو ليس بجديد ففي نهاية عقد السبعينيات من القرن الماضي عمدت على تفكيك معسكر العمالقة وهو القوة الوطنية الرادعة التي بناها الرئيس الحمدي فخافتها ولم يسعها إلا تدميرها وتفكيكها في الأحداث التي شهدتها تعز حينها وكان خاتمتها هروب قائد ذلك المعسكر –وهو ما يزال على قيد الحياة- إلى ليبيا.
واليمن ماتزال ذاكرتها حية وهي تعرف مواقف السعودية من التعددية والوحدة ومن كل مشروع نهضوي يبزغ في حقب التاريخ المختلفة وما عدوانها اليوم على اليمن إلا دال على الامتداد التاريخي ولا يمكن لليمن النهوض إلا بتفكيك المشروع السعودي والاشتغال الثقافي والإعلامي والفني الذي يفضح ذلك الامتداد ويحد من ظاهرة الاستهداف السعودي لليمن ولا يتم ذلك إلا حين نعمل على يقظة الذات الوطنية الحضارية والتاريخية ونبعث فيها الروح القيمية والأخلاقية وحين تشعر تلك الذات بقيمها ومعناها سنجدها تحاكم كل متفاعل مع الارتهان الخارجي محاكمة أخلاقية وطنية .. ويومذاك ستكون اليمن.