الجامعة العربية والدور السعودي المشبوه
أثناء متابعة حديث الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي عن أهمية تشكيل قوة ردع عربية أصبت بحالة شديدة من الذهول لأن الرجل أندفع بحماسة البحتري وأسهب في الحديث عن قضايا الأمة والعروبة والتضامن القومي مبعث الذهول أن سمو الأمير ابتعد كثيرا عن النمط الذي التزمه طول فترة وجوده في وزارة الخارجية السعودية إذ ظل يجسد سياسة بلاده القائمة على أساس الرفض المطلق لدعوات القومية والعروبة والوحدة والتضامن.. كما قال المفكر الإسلامي المرحوم محمد عابد الجابري (السعودية ضد فكر الجامعة العربية اضطرت الانضمام من باب رفع العتب والخوف من سيطرة الأنظمة الثورية) مع التسليم بما ذهب إليه المفكر الجابري إلا أن الأيام كشفت أن المواقف السلبية وتدني مستوى التعاطي مع الجماعة وقضايا الأمة استندت إلى عملية ممنهجة استهدفت التشكيك في فاعلية الكيان ومحاولة تقويضه من داخله. خدمة لأهداف وغايات كيانات دولية انقادت السعودية لإرادتها.
باستثناء الموقف البطولي الشجاع للمغفور له بإذن الله الملك فيصل بن عبدالعزيز إبان حرب أكتوبر 1973م اتسمت سياسة الأشقاء في المملكة بالفتور والإصرار على توظيف فائض المال والتخمة لتثبيط الهمم وشراء أصوات الدول الأخرى الفقيرة لضمان صمتها أو شراء أصواتها ضد أي مشروع يتصل بحماية الأمن القومي العربي وزيادة معدلات التعاون بين الدول العربية أو أي تصور لتفعيل دور الجماعة العربية بهدف تحويلها إلى كيان هلامي وظاهرة صوتية تتسم أدواره بالرتابة وعدم الفاعلية.
لا أقصد بهذا الكلام التحامل لكنه يستند إلى وقائع عملية ومواقف صريحة مدونة في محاضر الجامعة.
ما يؤسف له أن الأشقاء اتبعوا سياسة التخاذل واعتماد مبدأ بالنفس إزاء كل ما يتعلق بالصراع العربي الصهيوني وكل المواقف المتصلة بمؤازرة الشعب الفلسطيني وجرائم الإبادة والتنكيل والإبعاد لأبناء الشعب الأعزل من قبل دولة الكيان الصهيوني.
بعض المواقف أكدت الموافقة الضمنية وإرغام الشعب المظلوم على القبول بسياسة الأمر الواقع دعونا نؤكد لكم الفكرة ونوضح أبعادها استنادا إلى مواقف عملية للأشقاء ومنهم على شاكلة النظام.
من تلك المواقف المخزية:
1)إقرار الكونية على العراق عام 1991م.
2)توفير مظله عربية لأميركا لغزو العراق واحتلاله وتدمير مقدراته الوطنية عام 2003م.
3) التآمر بشكل مباشر على الثور الفلسطينية وتأجيج الصراع بين الفصائل والقوى الفاعلة وإدانة الانتفاضات الشعبية الأولى والثانية.
4)استهداف المقاومة الإسلامية في لبنان إبان حرب 2006م إضافة إلى تقدم السعودية بمشروع قرار إلى الجامعة العربية يدين إسرائيل وحزب الله على حد سواء وكأنة ساوى بين الضحية والجلاد.
5) تجميد عضوية سوريا العضو المؤسس في الجامعة والتمهيد لتكالب الآخرين عليها وإشعال حرب كونية ضد الشعب السوري الشقيق لا تزال رحاها دائرة حتى اليوم.
6) الصمت المطبق على العدوان الصهيوني الغاشم على غزة في المرتين الأولى والثانية.
من الوقائع التي أسلفت يتضح سبب الذهول الذي ألم بي عند أن سمعت الفيصل وهو يتحدث عن تشكيل جيش عربي موحد للتدخل السريع تحت راية الجامعات العربية.. ليس هذا وحسب لكن لأن من يتحدث عن الفكرة اليوم بحماس كبير هو نفسه من أجهضها أكثر من مرة وكانت البداية الرفض المطلق للمشروع الذي تقدم به الرئيس الشهيد المرحوم إبراهيم الحمدي عام 1976م على خلفية اندلاع الحرب الأهلية في لبنان وتضمن المشروع إنشاء قوة ردع عربية تتدخل عندما تندلع المشاكل في الدولة العربية أو على المستوى الثنائي وتنتهي بإنشاء جيش عربي موحد يتصدى لأي عدوان خارجي يستهدف أي دولة عربية وفي المقدمة تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني.
المشروع حظي بإعجاب عدد كبير من الكتاب العرب واعتبروه أهم وأعظم إنجاز للجامعة العربية وأقر أحدهم قبل المناقشة بأنه سيواجه بالرفض من دول الخليج طالما أنه تطرق إلى قضية الشعب الفلسطيني وهو ما حدث بالفعل فقد التفت السعودية على المشروع وتبنت قرارا بديلا قضى بدخول قوات سورية إلى لبنان وتسميتها بقوة الردع العربية مقابل وعد الرئيس السوري بتغطية تكاليف هذه القوة ومساعدات أخرى كما يحدث اليوم مع الدول العربية التي حشرت نفسها في موضوع التآمر على اليمن مقابل حفنه من المال المدنس.
الحقيقة أني لم أجتهد لاستدعاء هذه الأفكار فلقد قفزت إلى ذهني تلقائيا بمجرد سماع الأمير الغر يتحدث عن العروبة وما يتعلق بشؤونها.
على الفور استشعرت الخطر الكبير الذي تمثله هذه الدولة على الأمة وعلى العروبة والجامعة العربية وميثاقها.
ومن اللحظة التي شنت فيها الطائرات السعودية عدوانها البربري الغاشم على اليمن اتضحت نوايا الأمير المبيتة ومقاصده السيئة فالمشاهد الكلية للصورة اتضحت ومفادها أن العدو الصهيوني بات يحقق رغباته عبر هذه الأنظمة المهترئة بما يوحي أنه نجح في فرض خياراته ومنها الانحراف بمسيرة ال