عبث الكهنة

وديع العبسي

لا يزال البعض من سياسيينا المفعمين بالصحة النفسية والبدنية! (يتكهن) في استخلاصاته عند قراءته للأحداث ثم فجأة تجده للأسف يتشبث بما يقول.
طبعا الإشكالية هنا هي أن تأثير مثل هذا الفعل يخيم غالبا بشكل سلبي على الوضع فيبقيه في استعار وتصعيد دائم لأن التكهن يأخذ باستمرار الوجه المتشائم.
في لحظة من التأمل تدفع إليها غالبا هواجس الخوف والقلق تجد السياسي يخلص من حدث ما إلى أن وراء الأكمة ما وراءها حتى وإن كان عبارة عن لقاء بين شخصين ممن يدور حولهما حديث الشارع.
مثل هذا التكهن ربما يكون مقبولا أحيانا من المحلل السياسي لأنه يقوم بربط الأحداث ببعضها متحررا من أية توجسات لكنه -التكهن- يبدو خطيرا من السياسي الغارق بطبيعته في المخاوف على المصالح وزوال النعم فتجده يقوم بتسريب استنتاجه إلى سوق الإعلام القابع بوسائله المختلفة في انتظار (أي حاجة) فتتداوله بكل سذاجة وعندها يبدأ استعار جديد للوضع السياسي بالتشكل بأن يصدق هذا السياسي المحنك تكهنه فيبني عليه مواقفه ويعمد إلى ما يعتبره خطوات احترازية فيكون بالتالي التأزيم المبين.
قد يكون من الطبيعي أيضا أن يعيش السياسي حالة من الهواجس والتهيؤات نظرا لما عايشه أو ما كان قريبا منه لكنه لا يصير سياسيا إذا عكس حالته هذه على الواقع أو بقي تفكيره أحادي الوجهة والتفسير وظن أن كل ما يحدث من حوله إنما يستهدفه هو ومستقبله السياسي فالأصل أن يستدعي خبرته لتقييم الأمور الحاصلة أمامه بصورة صحيحة وأن يتحلل من الافتراضات سيئة النية ويخوض مع الآخرين معركة النجاح للكل بصورة تبين قيمة وأهمية حضوره لا أن يكون وبالا عليهم بخيالاته   المحمومة.
ما يحدث لدينا اليوم يعكس بوضوح الحالة التي وصل إليها أصحابنا السياسيين من تشبث لا معنى له للرؤى الذاتية إلا لكونها قائمة على تلك التكهنات والتصورات المتشنجة ولذلك فهو يظن أنها الصح وأن تجاوزها يعني الذهاب إلى الهلاك.. وعلى إثر ذلك لا يكون لأي حوار جدوى حتى رؤى ومبادرات الحل والإنقاذ التي يجتهد بها أحيانا ناشطو الساحة لا يكون لها معنى إذا لم تستقم أو تتسق مع الاستخلاصات المباركة لحضرة السياسي.
ولعله من هنا لا يكون في الأمر غرابة أن يكون تصفح العناوين فقط في وسائل الإعلام المتجاذبة كافيا لأن ترسم للمرء صورة قاتمة عن المآلات المحتملة وتجعله في قلق مستمر فهي تنقل في الغالب مثل هذه التصورات والتكهنات وتفاعلات الأنصار معها.
صحيح أن التكهنات والشك بداية أحيانا للوصول إلى الحقيقة لكن الأمر أيضا يفترض بطبيعته التثبت منها وتأكيدها بقرائن والاستعداد لنفيها إن تبين أنها ليست إلا اجتهادا خاطئا لا التماهي معها حد تصور أنها حقيقة بذاتها ألهم الله إليها ثم اعتبارها منطلقا ثابتا للمواقف القادمة وهذا ما يجعل وضعنا السياسي ملازما لصفة التأزيم ويصبح من الطبيعي أن يقول محلل سياسي عربي: لا تسألوني عن السياسة في اليمن لأنها حالة غريبة واستثنائية.

قد يعجبك ايضا