العمران المسرحي.. ضرورة غائبة في اليمن
هايل المذابي
هايل المذابي –
كان العمران المسرحي أحد مكونات الحضارة اليمنية عبر التاريخ وقد وجدت المسارح في اليمن قديما على غرار المسارح الموجودة في أثينا وروما ومارس اليمنيون المسرح المتطور في العصر السبئي ولعل المسرح الدائري الموجود في جانب سد مأرب والذي يعود تاريخه إلى العصر السبئي وبني على غرار مسارح أثينا القديمة بكل مواصفاتها الفنية والمعمارية إضافة إلى النقوش الأثرية التي دلت على وجود قانون للممثل في العصر السبئي وغيرها من الشواهد والإرهاصات المسرحية والمراحل التي يرجع تاريخها إلى عشرين قرنا قبل الميلاد..
وقد قال الدكتور عبدالعزيز المقالح إنه لابد أن تكون الحضارة اليمنية القديمة مكتملة حتى تعد حضارة حقيقية وهذا يعزز الأدلة المؤكدة لوجود حركة مسرحية فاعلة في اليمن تبعا لوجود ذلك العمران المسرحي كضرورة اقتضاها ذلك الوجود الحضاري الذي لا يكتمل بالضرورة إلا بمسرح ووجود عمران مسرحي وأما تلك الطقوس الدينية التي مارسها اليمنيون قديما فتعد إحدى الإرهاصات المسرحية وتعود أول مقطوعة دينية إلى ما قبل 3000 قبل الميلاد.
إن وجود البناء والعمران المسرحي ينبغي بالضرورة أن يسبق وجود الفنان المسرحي فهذا الأخير لا يعتبر مشكلة بحيث إن الدولة تقوم بتأهيله في مختلف التخصصات المسرحية ويبتعث الكثيرون من أجل ذلك لكن العمران المسرحي يشعره بالانتماء والممارسة للتخصصات التي تعلمها وتخصص فيها فيصبح البناء المسرحي صومعة مقدسة تجمع الفنان المسرحي في محراب الفن تنمي إبداعاته وتخلق التنافس الإبداعي الشريف الذي يرفع من مستوى نتاجاته الفنية وكذا تعود المشاهد على ارتياد المسرح بشكل مستمر وكل ذلك يثمر حركة مسرحية مستمرة ودون وجود بناء مسرحي وخشبة مسرح ثابتة للفنان المسرحي لا يمكن خلق حركة مسرحية دائمة ومستمرة ودونها لا يمكن أن تتراكم تقاليد وعادات مسرحية.
وتبعا لأهمية دور العمران في إثراء الحركة المسرحية في أي مجتمع تتناول هذه المقالة ذلك الدور وتلك الأهمية لذلك الدور وكيف أثر على الحركة المسرحية في اليمن مع تناول أحد مسارح عدن أنموذجا.
أــ العمران المسرحي في اليمن قبل الثورة
كان العمران المسرحي في اليمن في مرحلة ما قبل ثورة 26 سبتمبر و14 أكتوبر غائبا تماما فكانت عمليات التمثيل تجري في الهواء الطلق وسط ساحات عامة أو في أبنية مكشوفة أو في قاعات تقليدية مغلقة تفتقر إلى أي تجهيز تقني ونظرا لغياب العمران المسرحي في اليمن في فترة ما قبل الثورات فقد كان الحراك المسرحي في الشمال شبه غائب كليا أما في جنوب اليمن فرغم هذا الغياب العمراني إلا أن البدايات المسرحية كانت من هناك.
ب ــ العمران المسرحي في اليمن بعد الثورة
في سنوات ما بعد الثورة وتحديدا في فترة السبعينيات بدأت تقام بعض العروض على مسارح قائمة مثل مسرح كلية الشرطة ومسرح جامعة صنعاء ومسرح مركز الدراسات والبحوث اليمني وبعض المسارح التي أقيمت في بعض المدارس والنوادي الرياضية والثقافية في عموم محافظات الجمهورية بما فيها صنعاء وعدن, وانتعش المسرح كثيرا مع توافر عمران مسرحي في فترة السبعينيات ومع وجود دور عرض فضاءات أخرى كالسينما فقدمت فرقة المسرح الوطني التي تأسست في بداية تلك الفترة أكثر من 30 عملا مسرحيا معظمها تم توثيقه تلفزيونيا منها مسرحية «الوهم والحقيقة» في العام 1972م.
وفي أواخر السبعينيات فكرت وزارة الإعلام والثقافة بصنعاء في بناء عشرة مراكز ثقافية في محافظات الجمهورية ويضم كل مركز منها مسرحا مستقلا وما أن هل عام 1980م حتى كان بناء كل هذه المراكز بمسارحها قد اكتمل ولم يؤثث منها ويجهز تجهيزا فنيا متكاملا حسبما تقتضيه الإمكانات التقنية سوى أربعة مسارح وقد تم تجهيزها في الفترة ما بين عامي 1986 – 1987م وبعد تحقيق الوحدة أصبحت 15 مركزا 13 محافظة يوجد بها مراكز تابعة لوزارة الثقافة ومحافظتان بهما مراكز مستخدمة من الغير و6 محافظات لا توجد بها مراكز.
ثانياــ مسارح عدن
العمران المسرحي في عدن شكل علامة فارقة في تاريخ المسرح اليمني وله تاريخ ثقافي مميز ونشاطات ثقافية وفنية وحاضنة للإبداعات الثقافية والفنية المختلفة وخصوصا منذ وجوده خلال النصف الثاني من القرن الماضي في مدينة عدن فمنها: مسرح الجيب – الشيخ عثمان مسرح حافون – المعلا مسرح العمال مسرح المرسم الحرفي – التواهي مسرح سينما هيركن – خور مكسر مسرح سينما الحرية – كريتر المسرح الوطني – التواهي.
ولعل الحديث عن المسرح الوطني كأنموذج للعمران الذي أثرى المشهد المسرحي في الجنوب سيكون فيه الكفاية لوصف تفاصيل الحركة المسرح