طغيان الوصف والانتصار للمرأة (1-2)

محمد الغربي عمران


كقارئ تستهويني النصوص السردية التي تدخلني مع الكاتب في لعبة .. مثل أن يأتي بأفكار بكر غير مطروقة.. أو بصيغ جديدة.. أو أن أخفق في تخمين مجريات أحداثه.. أو كيفية نهايته.. فإذا ما صدق حدسي أشعر أن الكاتب قد فشل .. أما إذا أتت النهاية غير ما تخيلتها أو مجريات الأحداث مخالفة لما خمنت فيكون الكاتب قد كسبني كقارئ لمتابعة جديد. وبالطبع التجديد والتجريب مطلب ملح.. بعيدا عن تكرار أساليب من سبقوا .. والإتيان بما يدهش القارئ أساس الإبداع.
في هذه المقاربة أتحدث عن بعض نصوص الأديب حامد الفقيه في إضمامته الآيلة للطبع “ظل ينشد جسده” تسعة نصوص قصصية قصيرة. وأيضا نصوص الأديبة غدير الخاوي في إضماتها تحت الطبع “شرائط الستان” تسعة نصوص قصصية قصيرة وتسع أقاصيص.
الحديث حول نصوص غدير وحامد ليس من باب المصادفة . بل لوجود عدة معطيات.. منها ما يأتلف .. مثل أسلوبيهما في الوصف الذي يأتي على حساب الحدث.. إضافة إلى اللغة الثرية بالألفاظ الشاعرية .. وتلك النصوص التي تبتعد عن القصة لتكون نصوصا قائمة بحد ذاتها كنصوص أدبية راقية.
بدأت بقراءة حامد الفقيه لاكتشف ميله لتقديم فكرته في ثوب فضفاض ملئ بالجمل البلاغية .. كما يحلق بعيدا عن أحداث القص بإغراقه بوصف الحالة ..حينها شعرت بنوع من التوهان .. لأعود أقرا ما تصنيف تلك النصوص ..ثم أرجع لأغوص بين السطور.. باحثا عن حدث الحكاية لأجده يضيع بين طيات لغة جميلة ووصف لمشاعر ومشاهد غاية في الروعة . ما يذكرني بأسلوب الأديب السعودي “عبدالله الجفري” الذي تخصص في الوجدانيات ..وله عدة كتب.
أبحث عن خيط الحكاية وسط جمال تلك الجمل الغنية بالصور الشعرية أو حدث كبير يتطور إلى أحداث صغيرة.. أبحث عن صراع أو أزمة .. أو ما يثير أسئلتي .. لأغرق في بين مشاعر فياضة خاصة في نص “امرأة الفصول” حين حضرت الشخصية وضاع الحدث .. والصراع .. وتنامي الشخصية .. امرأة الفصول نص رائع بل في قمة الروعة فيه من السرد.
انتقلت من قراءة نصوص حامد إلى نصوص غدير.. قرأت النص الأول وجدت ذلك الأسلوب الوصفي والدفق الوجداني يتكرر في نص “جوع” وإن كان فيه شيء من حكاية لكنه أيضا يحلق بعيدا ليلامس شغاف الوجدان .. إلا أن الحدث لدى غدير في هذا النص موجود وإن طغى عليه الوصف.. ولولا تلك النهاية : “بينما أنا مثقلة بالبحث عن حل تسلل خيط رفيع لروائح مشاكسة ومحروقة واحكم قبضته على انفي أيقظني فورا من ذلك الخيال وتأكدت. بان طعام الغداء قد احترق.” لانتهى النص مبتعدا عن القص.
وقد لاحظت ملاحظتين مهمتين في ما يكتبه حامد وما تكتبه غدير.. فغدير لديها:
– وحدانية الشخصية النسوية.
– النهايات الفارقة.
المرأة وقضاياها .. واقتناص النهايات الفرقة لدى غدير.. ولا أعرف هل ميلها للمرأة عن وعي وتخطيط مسبق أم…. المرأة ووضعها في مجتمعاتنا العربية تستحق أن نكتب ونكتب الكثير .. فقط أن نعطيها الكثير ولا نغفل عن قضايا الإنسان .. دون تفصيل بين ذكر وأنثى. فالأديب معنى بقيم الخير والعدل والحرية والسلام للجميع.. والأديب لا يميز إلا فيما يخدم تلك المبادئ السامية التي محورها الإنسان.
هذا من الناحية الموضوعية أما الفنية فقد فسنتحدث كما ذكرنا عن تلك النهايات الفارقة التي جاءت بها غدير في بعض أقاصيصها وكذلك قصصها.
حامد.. نتحدث أيضا عن ملاحظتين من خلال نصوصه:
– صراع الحوار والوصف.
– النهايات المفتوحة.
كما ذكرت سابقا .. فان أسلوب حامد الوصفي يمثل مغايرة عن أقرانه من الكتاب .. وإن جاءت على حساب الحدث .. وكذلك تلك الثنائية في نصوصه المتمثلة تناوب الوصف والحوار. إضافة إلى إغفاله أساليب التضاد لنهايات نصوصه .. أو ما تسمى بالمفارقة .
وأبدأ بذلك الصراع بين الحوار والوصف في امتلاك روح النص.. وما أعنيه بالصراع .. هو التجاذب في أسلوب الفقيه بين تلك النصوص التي تبتعد عن القصة لتقترب من النص الغير مجنس .. ذلك الذي يتماس مع أكثر من جنس أدبي .. ليشكل نصا مختلفا عن القصة.. وان أخذ شيء من خصائصها.. وهذا ليس سلبيا .. فكل كاتب يبحث عما يميزه.. وإن ظل يدور دون تجريب أو مروق عن المعتاد فسيظل يدور في دائرة مغلقة .. هي دائرة التقليد . والفقيه يسعى لذلك .. وإن تميز في الوصف واللغة الوجدانية.
أما الحوار لدى حامد فمختلف .. ففي الوقت الذي يأتي الحوار كأحد العناصر المتوازية لإخراج نص مكتمل .. نجده يقدم لنا نصوصا يغال عليها الحوار أو يستحوذ عليها على حساب بقية عناصر القصة .. ففي نص “رقصة المليكة” أكثر من ثلاث صفحات نصا حواريا.. فيه من البلاغة والكلام الوجداني و زخرف المعنى.. في الوقت الذي غاب القص.. ليحضر المشهد مسرحي.
ونص آخر بعنوان “موعظة السوسنة” يقدم لنا الفقيه حوار مرصع بلغة الأحلام.. ففي هذا النص قدم لنا بيئة الريف اليمني وق

قد يعجبك ايضا