الثورة.. بين جدل الماضي وسؤال المستقبل
عبدالرحمن مراد

مقالة
كعادتنا في كل مناسبة وطنية يأتي خطابنا الإعلامي وخطابنا السياسي منددا بالماضي وبأوجاع الماضي ويتناسى ذلك الخطاب سواء منه الإعلامي أو السياسي أن ذلك الماضي ما يزال يعيش لحظتنا الحضارية ولم نتجاوزه إلى الحاضر والمستقبل وكأن ذلك الماضي مبررا لكل أوجاع الحاضر ومآسيه بل كاد يتحول إلى شماعة نعلق عليها كل أخطائنا وعجزنا عن تجاوزه وذلك باستحضاره في كل شيء.
لم يعد الماضي مسؤولا عما تقترفه أيادينا في حق هذا الوطن أو في حق مستقبله ذلك لأن الحاضر من صنع أيادينا وليس من صنع أحد سوانا وقد ذهب الماضي بكل مساوئه ومحاسنه وليس من الحكمة في شيء أن نقف عند إطلاله ودمنه ونبكي حظنا المتعثر فيه ولكن علينا أن نبكي حظنا المتعثر في حاضرنا وعلينا أن نقف لحظة تأمل حتى نعي هذا الحاضر ونتجاوزه إلى المستقبل.
لقد ذهب الزمن الثوري بكل براكينه ودمويته وقمعيته وعقليته البوليسية وجاء زمن آخر الانتصار فيه لقيم الخير والحق والعدل والسلام فنحن مطالبون في لحظتنا الحضارية الراهنة أن نعي هذه القيم وأن نجسدها في واقعنا وخطابنا وأخلاقنا وأن نفلسفها في تطلعاتنا لا أن نجتز الماضي ونحاكم ظلاله فينا.
إن القيمة المثلى للثورة هي في تجاوز مبررات قيامها لا في التشدق بها واستمرارها في جل الممارسات التي تحدث في حياتنا السياسية والاجتماعية والثقافية ذلك أن الثورة اليمنية (سبتمبر وأكتوبر) قد أصبحت حدثا تاريخيا علينا أن نقف عنده لنأخذ العبرة ونتدارسه بحكمة وموضوعية مبتعدين كل البعد عن الحماقات والأنا المضللة التي لا تصدر إلا الحروب والويلات المدمرة للشعوب.
لقد أضحى من الضرورة أن نعي اللحظة الوطنية ومستجداتها ونتجاوز لغط الماضي وخطاب الماضي وضلال الماضي.. ذلك لأن قضيتنا قضية حاضر ومستقبل وسؤالنا عن هذا الحاضر يجب أن يكون مركزا ومكثفا لأن الماضي قد ذهب والوقوف عنده نكوض وليس لنا من زمننا سوى اللحظة التي نحن فيها والتي يجب أن نحاكمها وفق معطياتها وتجلياتها بالمنطق والحوار والنضال السلمي الذي ينشد الغد الرغيد من بين أوجاع اللحظة.
إن ما يحدث في حاضرنا وفي واقعنا وفي جل خطابنا السياسي والإعلامي ليس أكثر من هروب من إشكالات اللحظة ومن سؤالها الحضاري والتنموي والثقافي وذلك الهروب ليس إلا تضليلا وهروبا من جوهر الحقائق الصادمة ومن المواجهة الصادقة والموضوعية والمنطقية لها فلعن الماضي لا يبرر مطلقا أخطاء الحاضر وليس من المنطق في شيء أن يظل الماضي مسؤولا ومحاسبا على قضايا لم يكن فاعلا فيها ولكنها وجدت هوى في أنفسنا فكان استمرارها رغبة فيها لا كراهية لها.
إن لغة التسامح التي نقولها بها ومفردات المحبة والتعايش التي توافقنا عليها ووقعنا على بنودها في (21 سبتمبر 2014م) تفرض علينا أن نقف عند حاضرنا نشدانا لمستقبلنا فكل أخطاء الماضي يجب أن نضعها من على كواهلنا فالتغيير يتطلب اشتراطات موضوعية وافتراضات عديدة خاصة بالماضي الموضوعي والحاضر المعيش حتى نتمكن من استكشاف أثر دخول عناصر جديدة على المجتمع في المستقبل أي نحدث قدرا من التغيير.
وعلينا أن ندرك أن كل شيء في هذا الوجود يمر بمراحل إلى أن يصل إلى فقدان القدرة على التعامل مع مستجدات الزمن ومعطياته وكل نظام حكم عبر التاريخ يبلغ حالة الشيخوخة والهرم فيأتي على أنقاضه غيره وهكذا دواليك ومثل تلك الحقيقة تجعلنا لا نقول بحدوث المعجزات بل نقول بصيرورة الزمن ليس أكثر والعبرة في الخواتم هي في تحقيق الخيرية والنفعية للناس وفي العدل.
وعلى ضوء ذلك يمكنني القول إن إشكالات الوطن وأزماته الخانقة وصراعاته تكمن فينا نحن وليس في الماضي كما يذهب إلى ذلك خطابنا ونحن في زمن حاجتنا فيه إلى العقل أكثر من أي شيء سواه وإلى ثقافة الحوار والتعايش وقبول الآخر أكثر من ثقافة التبرير والانتقاص والأنا المضللة.