مرحى يا عراق
أ.د عمر عثمان العمودي
– العراق في ظل وسيادة الحكم العثماني:-
الأتراك والعنصر التركي يحسب لهم ويقدر لهم دفاعهم الباسل عن الإسلام والديار الإسلامية ضد أخطار الرومان البيزنطيين,والغرب المسيحي المتعصب لمدة لا تقل عن ألف عام ويقدر ويذكر لهم المسلمون الفتح الإسلامي العظيم لمدينة القسطنطينية وإنهاء الوجود السياسي للدولة البيزنطية عام1453 في عهد السلطان والفاتح الكبير محمد الثاني الغازي في سبيل الله وقد تركزت جهود العثمانيين لمدة طويلة في جنوب أوروبا وحققوا فيها انتصارات كبرى على دولها التي ناصبتهم الحرب والعداوة المستمرة.
ومنذ بداية القرن السادس عشر الميلادي اتجهت جحافل جيوشهم جنوبا في اتجاه الشام ومصر والعراق دفاعا عن أمنهم الجنوبي,وتطلعا إلى الفتح والتوسع وكان من أسباب ذلك ظهور دولة الصفويين الشيعية الجعفرية الإثنى عشرية المتعصبة والقوية وسعى مؤسسها إسماعيل الصفوي إلى مد مذهبها ونفوذها وسيادتها إلى العراق وجنوب شرقي آسيا الصغرى وشرق بلاد الشام وقد نجح الأتراك العثمانيون في هزيمة دولة المماليك البرجية في عهد سلطانها المحارب والشجاع السلطان الغوري في معركة مرج دابق عام 1516م بعد تعرضه لخيانة والي حلب وانضمامه للزحف العسكري التركي ومن الشام تحركوا سريعا إلى مصر(1517) وقضوا على بقايا دولة المماليك البرجية وتنازل آخر خليفة من بقايا العباسيين في مصر عن الخلافة الإسلامية للسلطان سليم الثاني الملقب بالفاتح ومنذ ذلك الوقت أضيف لقب الخليفة إلى ألقاب سلاطين العثمانيين.
كان التحدي الكبير للعثمانيين في ذلك الوقت هو الدولة الصفوية الفتية والقوية والمتعصبة وقد حدث مرة أن اجتاحت جيوش إسماعيل الصفوي العراق وقد عين إسماعيل الصفوي أحد مماليكه من الأغوات حاكما له في بغداد ولقبه باسم خليفة الخلفاء نكاية في سلاطين وحكام العثمانيين وقد انتهت مجابهات الدولتين بفتح العثمانيين للعراق وأنزلوا بعد ذلك هزيمة كبرى بالصفويين ودخلوا عاصمتهم تبريز معركة(جالديران) في تلك الأيام وعاد السلطان سليم الفاتح إلى بلاده منتصرا بعد أن حجم وقلص طموحات وتهديدات الصفويين لدولته.
وطيلة حكم العثمانيين للعراق الذي استمر إلى انهيار الدولة العثمانية عام 1918م لم تحظ العراق وشعبها بأية جهود عثمانية حقيقية في مجال التنمية والإعمار والنهضة العلمية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو الصناعية أو في مجال الإصلاحات السياسية كان الطابع العام للحكم العثماني يتركز في الحصون والقلاع والثكنات العسكرية وفي الإدارة البيروقراطية الجامدة والمستبدة وكان هم حكامهم وولاتهم الأول هو جباية المكوس والضرائب المحددة من الملتزمين لهم سنويا للصرف منها على جنودهم ودعم خزانة الدولة العامة منها وكان الولاة والملتزمون بدورهم يقومون باستغلال وقهر وإنهاك المواطنين البسطاء الذين يمثلون السواد الأعظم من الشعب في العراق وفي بلاد الشام ومصر وران أو جثم الفقر والتخلف والأمية على حياة الناس وزاد شعورهم بالقهر والهوان وبوجه خاص طيلة القرن التاسع عشر الميلادي وإلى قيام الحرب العالمية الأولى عام 1914م وذلك لأن الحكم العثماني في كل بلاد تلك الدولة قد تعرض للضعف والعجز وتجمدت قدراته على النهضة والتجديد, وانعزل عن مجريات التطور والنهضة العلمية والعسكرية في أوروبا الاستعمارية ومع بوادر الحرب العالمية وقيامها تحرك أحرار العراق بحزم وفاعلية لنيل الاستقلال وكانوا في طليعة الثورة العربية عام 1916م المعادية للحكم العثماني.