نتصدق لنفرح بفضل الله

هائل الصرمي


من فوائد الصدقة أنها تمنع المتصدق من المال الحرام, فمن يمنح ماله لغيره لا يأخذ حقوق غيره…إذú كيف ينفق ماله الذي هو بين يديه حلالا ليتعدى إلى سواه فيأخذه حراما…كيف يرجو ثواب صدقته من لا يخشى عقوبة سرقته , فلا ينسجم هذا في شعور المسلم ولا في شريعته.
بذلك كانت الصدقة الخالصة برهانا على استقامة صاحبها ودليلا على تقواه…قد يقول قائل إننا نجد من يتصدق ويعتدي على حقوق غيره.
لا شك أن هذا مناقض للفطرة مخالف للشرع وليس هو الغالب بل هو الشاذ وإن كثر بسب الجهل وسوء الفهم .. يصدق عليه قول الشاعر: ككافلة الأيتام من كسب فرجها فليتك لم تزني ولم تتصدقي.
ومن فوائد الصدقة أنها جامعة لجل الأخلاق الحسنة, واقية من سيء الأخلاق فبقدر ما تجسد خلق الجود والسخاء, فهي تجسد الوفاء والنجدة والمروءة والإيثار والمحبة وغيرها.
وبالمقابل تمثل سياجا واقيا من كثير من الأخلاق السيئة, كالشح والجشع والأنانية والأثرة وغيرها… كما أن الصدقة الخالصة وسيلة تربوية فعالة, تدعو المتصدق لرقابة قلبه وحراسة عمله, من أن تغتاله بعض الأخلاق السيئة, كالرياء والعجب والكبر وغيرها فتجعله هباء منثورا نسأل الله العافية.
لماذا نتصدق إذن لأننا بحاجة إلى أن تدوم نعم الله علينا فالصدقة تحفظ النعم كما تحفظ الصخرة تماسك بنيتها, وكما يحفظ الغدير ماء المطر…فهي حافظة للنعم جالبة للزيادة منها, قال تعالى “لإن شكرتم لأزيدنكم ولأن كفرتم إن عذابي لشديد” فهي شكر عملي بالغ في تثبيت النعمة وزيادتها, وتركها كفران يذهب النعمة ويبددها, فنعم أجر العاملين.
نتصدق لأن الصادق المصدوق أخبرنا بأن الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار… وتطفئ غضب الرب, وتوجب لنا محبته فهو يحب المتصدقين.
نتصدق لنحيا الحياة الطيبة, ونتجنب الحياة الضنكة المليئة بالهموم والقلق والضيق, فالصدقة من أبلغ أنواع الذكر فلا يندفع المتصدق للصدقة إلا إذا ذكر ربه, خوفا أو طمعا أو تحببا وتقربا, أو أداء لما أمر, وهذا من أبلغ الذكر (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال ربö لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آيتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى) 127طه فإلى الذكر العملي فلنهرع فإنه يجلب الطمأنينة ويدفع الضنك.
فأطلق لليدين وكن سخيا
لينهل من تصدقك الوجود
وينسج حولك الخلاق أنسا
ويطرب بالندى زهر وعود
نتصدق لأن في الصدقة عافية الأبدان, ونور الأبصار, وحرز الأعمال, فالبلاء لا يتخطى الصدقة….يبارك للمتصدق في عمره, وينسأ له في رزقه, ويخلد ذكره ,ويدوم أثره, وتدفع عنه مصارع السوء… ففي الحديث الذي رواه الطبراني وهو قوله صلى الله عليه وسلم: صنائع المعروف تقي مصارع السوء وصدقة السر تطفئ غضب الرب وصلة الرحم تزيد في العمر. والحديث حسنه الألباني.
نتصدق لنتجنب شح أنفسنا ونكون من أهل الفلاح وهو الغاية التي يسعى لها كل ذي لب, ولا يتأتى ذلك إلا بمقاشحة النفس وفطمها, (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون).
نتصدق لننمي أموالنا ونحفظها من الحرق والغرق وسائر الأخطار فالصدقة سياج متين ,وحصن حصين, وما أصحاب الجنة عنا ببعيد (إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم فتنادوا مصبحين)القلم.
نتصدق لأننا موعودون بالخلف “وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه” ـ يا ابن آدم أنفق ينفق عليك ـ ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان من ملائكة الرحمن ينزلان يقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا. فطوبا للمنفقين الأسخياء فالله آخذ بيدهم يقيلهم كلما عثروا.
يزيد المال بالإنفاق منه ..
وينقــص لو بخلت ولا يزيد
وأقúسöم لست أحنث في يميني ..
بأن المال أضعافا يعـود
إن أمر الصدقة عظيم يطول الحديث حولها فهي أكبر من أن تحاط وأعظم من أن تستقصى, عظيمة بكل ماتعني العظمة نغفل عنها في زحمة الحياة ولو أدركنا عظمتها بحق, لن تغرب شمس يوم لا نتصدق فيها.
سنابل الخير بين الناس تبتسم
في كفها البر والإحسان و الكرم
حورية تعشق الأنفاس طلعتها
والسهل والأفق والآكام والقمم
لها مع الفقر صولات تصارعه
ولم تزل منه طول الدهر تنتقم
من كل صوب أكف الخير تحملها
مثل السماء إذا فاضت بها الديم
والله المستعان وعليه التكلان.

قد يعجبك ايضا