معاقبة الأكاديميين
فتحي الشرماني

إن لم تكن كل الجامعات اليمنية فإن بعضها يختل فيها ميزان العلاقة بين الوظيفة الإدارية والوظيفة الأكاديمية, إذ الأصل أن تكون الأولى لمساعدة الثانية على إنجاح مسؤولياتها العلمية وتحسين جودة المنتج التعليمي, ويكون ذلك بتهيئة الأجواء للأكاديميين وتيسير السبل لهم لكي يبدعوا ويحققوا الأهداف المرجوة, ولكن المأساة أن ما يحدث اليوم شيء غير هذا, فالأكاديميون اليوم يواجهون صنوف العراقيل والمعاناة التي سلبت الوظيفة الأكاديمية قيمتها وأهميتها وجعلتها ليس أكثر من وظيفة شكلية يأتي حضورها في الوسط العلمي لمجرد إسقاط الواجب ليس إلا.
اليوم لدينا جيل من الشباب ينضمون كل عام إلى هيئة التدريس المساعدة في الجامعات, فيتم إركانهم سنوات جانبا أو إشغالهم بمهام فرعية تبعدهم عن المهام العلمية التي جاء تعيينهم من أجلها, على الرغم من أننا دولة لا تزال تتلمس طريقها إلى النهوض العلمي وليست كغيرها من الدول التي تشبعت ولم تعد بحاجة ماسة إلى المسارعة في إعداد جيل من الشباب لتحمل المسؤولية العلمية.
وهذا إلى جانب وجود إرادة مضطربة في بعض جامعاتنا تضع العراقيل والتعقيدات التي تحول دون استثمار طاقات أولئك الشباب وخلق الأجواء العلمية الكفيلة بالاستفادة مما لديهم من نشاط في البحث والاطلاع وتكوين الخبرات وإتقان المهارات.
يواجه أكاديميو الجامعات عقبات في الابتعاث داخليا وخارجيا, وعقبات في الالتحاق ببرامج الدراسات العليا, لاسيما تعميم شرط الحصول على شهادة التوفل العالمي لجميع الكليات والأقسام, مع أن بعض التخصصات الإنسانية لا تتطلب إتقان اللغة الإنجليزية بذلك المستوى الذي يريده من صمموا على فرض (شهادة التوفل) شرطا لازما للالتحاق في الدراسات العليا.
وإلى جانب هذه العوامل تأتي العقبات المتكاثفة التي تحضر بفعل الفساد والمحسوبيات والمزاج في تطبيق القانون, وإذا حضرت هذه الآفات فلا تستغرب أن تجد بعض الإداريين يفرضون هيمنتهم على الأكاديميين, وكأن الأكاديمي وجوده لا يشكل أهمية, وهذه مشكلة عويصة, فالجامعات تتعامل اليوم على أنها مصالح حكومية وظيفتها فقط توقيع أوراق وأرشفة ملفات وتوزيع مناصب, وليس وضع استراتيجيات لإنهاض مستوى التعليم العالي وتنفيذها.
إن كل هذا الواقع المزري يحبط الأكاديمي, وكثيرا ما يجعله يتماهى معه, فينسى لا إراديا وظيفته الأساس ويسبح في فلك ما هو غير أكاديمي.
فهل يمكن أن نرى مسؤولين يعملون على تغيير هذا الواقع, وتصحيح أوضاع الجامعات وإعادتها إلى الخط الذي ينبغي أن تسير فيه¿ هذا في علم الله, وما ذلك على الله بعزيز, وإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.