الوحدة وتباشير الانتقال
عبدالرحمن مراد
مقالة
شعرت وأنا أتداخل في الاشتغالات اليومية للناس بحالة الأمل والتفاؤل والإحساس المفعم بالحب والانتماء شعرت بقدرتهم على تجاوز لحظات ألمهم ومعاناتهم على الابتهاج والفرح ومثل ذلك الإحساس المبتهج لم يخامر وجدان الناس منذ سنين خلت.
لقد ارتبطت الوحدة اليمنية بحالة الانفراج واحدثت انتقالا محسوسا في البناءات المختلفة وكانت ثورة حقيقية بالقياس إلى المتغير الذي كان ملازما لنسقها ومسارها ومتواليات تطورها ونموها ولم تكن أحداث 2011م إلا حالة تكاملية كانت تنطلق من جذر الثورة الحقيقية وهي الوحدة وارادت أن تستكمل بنيتها التحديثية وهي الآن في طور البناء والتكامل فالأحداث التي تحدث رغم سوداويتها وضبابية رؤيتها وجوانبها السلبية ذات الأثر النفسي والاجتماعي والثقافي إلا أنها تحمل طياتها غدا أكثر إشراقا واستقرارا وذلك من خلال حالة الفرز التي تصاحب الأحداث العاصفة المدمرة في حياة المجتمعات البشرية.
لقد أصبحت المناخات مهيأة لتقبل مفهوم العدالة الانتقالية كما قال به المركز الدولي بأنه مجموعة من الإجراءات القانونية وغير القانونية التي تطبقها الدول بهدف معالجة ميراث الانتهاكات السابقة لحقوق الإنسان وتشمل الإجراءات إصلاحات مؤسسية ولجان تقص وتعويض وهو الأمر الذي يشهده المجتمع اليمني ويشهد تفاعلاته فالإصلاحات المؤسسية تم التأسيس لها في مخرجات الحوار وهي الآن في طور صوغها كمواد دستورية ولجان تقصي الحقائق تعمل في كل المحافظات الجنوبية بهدف معالجات الانتهاكات وتحقيق قيم السلام والاستقرار النفسي والاجتماعي وبرامج التعويض تكاملت تصوراتها الذهنية والورقية وقد تبدأ في ظرف أيام أو أشهر قادمة فالحالة الانتقالية من حيث الفلسفة والمصالحة الوطنية ومن حيث الدلالات تأخذ حيزا كبيرا من جهد ووقت وتفكير رئيس الجمهورية وما نكبره فيه هو القدرة على السير بمنهجية واضحة المعالم والرؤى فالخروج من الأزمات وصناعة التحولات تحتاج قدرا كافيا من التأني وروحا مثابرة وصبورة ورؤية منهجية ثابتة وواضحة وهو الأمر الذي يمكننا أن نلمسه في الخطوات والإجراءات والتفاعلات السياسية المختلفة لرئيس الجمهورية فالحالات الانتقالية ليست حالات اعتباطية وهي تحتاج قيادات استثنائية للعبور بها إلى مرافئ الأمان إذ ثمة عواصف وأنواء ورياح تهدد مصيرها ومغالبة تلك المناخات ليس بالأمر السهل فكل جديد يهدم قديما بالضرورة يخلق صراعا ومقاومة فالمصالح التي ترتبط بالقديم تخاف الجديد خوف فقدان المعنى والقيمة والجديد يظل يبحث عن وجوده خوف الفناء المؤجل ورغبة منه في الاستمرار وهكذا دواليك هي الحياة صراع دائم وجديد يأتي على أنقاض القديم ولذلك قيل أن السياسة حسن إدارة الصراع لأن الحياة بطبيعتها هي صراع دائم بين ثنائيات متكررة في كل حقب التاريخ بين الخير والشر والقديم والجديد ولن تجد حقبة في تاريخ البشرية تخلو من تلك الثنائيات ومثل ذلك سنة كونية كما أخبرنا الله في القرآن خوف الفساد.
ولا يظن ظان أن مفهوم العدالة الانتقالية يقتصر على لجان التقصي والتعويض والعزف على وتر المحاكمات الجنائية كما يتردد في بعض الخطابات التي تهدف إلى المزايدة ومقاومة الانكسارات في مسارها بل هي عملية ممتدة أقصد العدالة الانتقالية تشمل التأسيس لقيم جديدة تتجاوز كل الأخطاء في الماضي وتعمل على تحقيق القدر الأوفر من الفاعلية والوجود من خلال إعادة هيكلة مؤسسات الدولة وبما يتوافق مع الحاجات والضرورات الجديدة وبما يحدث التناغم ويحقق الشفافية وسهوله المراقبة والمساءلة ولذلك أنكر ذلك الفهم القاصر الذي غالبا ما نجده في الفضائيات على السنة بعض الساسة أو الإعلاميين أو المثقفين والذي تشعر من خلال هشاشة الفكرة وسطحيتها والدافع لها أن صاحبها وجداني انفعالي غير مدرك للعواقب المترتبة على الانزلاقات وأغرب ما رأيت في القنوات برنامجا حواريا يناقش تجليات المرحلة ويصف الرئيس ببعض الصفات.. ضحكت وسخرت على مذهب البردوني من دعوى القوم أنهم أصحاب أفكار طبعا الرئيس لا يضيره من قال بضعفه أو من قال بقوته بيد أن القراءات الخاطئة يتضرر منها مجتمع بأكمله أو دولة وقديما قيل قل خيرا أو فاصمت إن كنت غير قادر على فهم ما يجري ولا ترى الواقع إلا من زاوية ضيقة فاحتفظ بما ترى لنفسك وأغرب ما تشعر به في الإعلام اليمني حالة من غياب المسؤولية الوطنية فالموضوعية في الإعلام الأهلي والحزبي تعني حالة من اللانتماء والانفصام بين الذات والموضوع.
ما أرغب في التأكيد عليه استثمارا لمشاعر الجماهير اليمنية هو أن الوصول إلى الاستقرار السياسي يتطلب قدرا من التوازن بين التأسيس لمنظومة قانونية للفصل في الانتهاكات والتعويض وبين المصالحة الوطنية والدفع بعملية التحول والتأسيس لقيم جديدة وذلك من أجل دولة وطنية اتحادية مستقرة وناهضة ومثل ذلك لن يتحقق مالم يجد الر