شـــــعرية البوح الأنثوي
أحمد الفراصي

مما لاشك فيه أن كل تجربة فنية هي تجربة ذاتية, حيث يذوت الفنان عبر خبرته الخاصة وموقفه ودرجة وعيه وعمق ثقافته, مجمل التجربة التي يود التعبير عنها, ولعل درجة الصدق الفني التي تميز عملا “فنيا” عن آخر, ليس فقط بين مبدعين كثر, وإنما في إبداع المبدع ذاته أيضا”, إنما هي درجة “التذويت” التي يقوم بها المبدع, أو لنقل درجة شخصنة التجربة وامتلاكها وبالطبع لا يعني شخصنة التجربة أن يعيشها المبدع وقائعيا “وإنما المقصود أن يتشربها ويعيها بحيث تصبح جزءا من تجربته الخاصة, جزءا من وعيه, من رؤيته, جزءا من ذاته.
ولعل أكثر مايؤكد صواب هذه الرؤية فحص الخطابات الإبداعية التيتهجس بروح الانوثة وطقوسهاباعتبارها مغامرة في استجلاء هيولى الجسد الأنثويوحاجياته وأحقيته في الوجود وامتلاك فطرة اللغة وسرديتها. ولاشك ان هذه الكتابة قابلة للسيولة أكثر من غيرها لأنها الأقرب إلى ناسوت الجسد الأنثوي وإلى أسطورة خطيئته القديمة وحلوله في البحث عن طهرانية مضادة والتي عادة ما تستحضر الوجه المرئي للكائن الأنثوي وهو يصطنع لحظات وجوده الإنسي وفي الإفصاح عنها وكأنها نص حريته الغائبة والمحمولة على بطانة شعورية دافقة إذ يتلمس الجسد فيها فعل الخصب المتعالي ويقترب من لحظة حلوله وخطاب حضوره مثلما يقترب هذا الجسد من الفعل الميدوزي للأنوثة وقوة فعلها في السيطرة والافراغ والإرتواء…
إن نص الأنوثة هذا يفرش تفاصيله كخطاب ورؤية ولغة بنوع من البذخ الاستعراضي عند لحظة التماس الكينوني والجسداني ليس لكي يصير نسقا مكشوفا يستعيد به وهجه التعويضي قدر ما هو محاولة لاستعادة قوة الوجود لتكون خطابا يتجدد في المحبة والقوة والمخيال واللذة باعتبار هذه الأنوثة نزوعا عميقا نحو أنسنة العالم الذي يحيل الذات الأنثوية الى ذات فاعلة خالقة توليدية في المعنى والإشباع إذ هي تتكشف عن جوهرها العميق الحاوي على كينونة الخلق مثلما تتكشف أيضا عن كينونة اللذة السرية الكامنة في الأصل الجينالوجي للجسد عبر تماهيه مع سلسلة من المستويات المتمظهرة في الأقنعة والأسرار والعلاقات.
هذا الخطاب المكشوف على روح الأنثى وسيرتها والحامل لشفراتها الضاجة بالنداء والسؤال والقلق والبوح هو ما تحاول أن تكشف عنه القاصة”ابتسام القاسمي “في كتاباتها القصصية كهاجس وجودي تشيء عبره بقوة الروح الخالقة والحالمة والحسيةهذا الهاجس تمنحه غواية الكشف والإفصاح من خلال لغة توظف شفرات البوح الأنثوي كقوة فاعلة وشاهدةلها نزوع يشبه المراودة نحو الآخر الذي يبادلها صناعة التهميش والإلغاء مثلما يبادلها الحضور في الأمكنة والوصايا والاصوات هذه اللغة تتحول عبر هاجسها السراني إلى لغة باثة/ شفراتية تتسارع نحو رمزيتها وكأنها صوت عميق للأنوثة المحمول علىما هو جسدي طقوسي له نداءات وإشباعات عالقة طالما تستحضرها الرغبة وكأنها جزء من بوحها الذي تستعيد بوساطته فعل اللذة وقوة الحضور دائما تلك اللذة التي لا حدود لها لأنها هي المفتاح والبرزخ الذي يقود الى اكتشاف الأسرار والكنوز الباطنة في الجسد الكينوني الأنثوي!!
إن صناعة أنوثة مضادة ليس شأنا سرديا قدر ما هو صناعة في سيكولوجيا فاجعة تحوز تفاصيلها عبر شهود وأسرار وتهويمات تضعها القاصة( ابتسام القاسمي ) إزاء نص الجرأة”وأخيرا تجرأت ” الذي ينبجس من استحضار تقابلات( النفس بكل أحلامها ورغباتها الأنثوية أمام الرجل/ المجتمع / العرف / التقاليد ) وهذا الاستحضار هو مقابل دلالي لافتراض اللذة في البوح والإغراق في الخيال الذي يغيب أحيانا لكنها تواصل لعبته بامتياز لأنه نصها الخاص ولأنه يضع هذه الأنوثة إزاء طقوس استلابية بغيابه تفقد الذات صوتها الأنثوي الداخلي وتلك الشفرة السرية في البوح واستحضار الخيال والحلول في لحظته الخالقة إذ يكون هذا الاستحضار هو(صناعة اللذة)وهو احتكام المعايرة الذي تلجأ إليه في قصة “محاكمة” لكي تتمثل إشباعات طقسها وندائها ورؤيتها. حيث جاءت لغة البوح بمستواها المحكي المؤنث مؤلفة جملا سردية نضاحة بخصوصيات الأنثى وحاجياتها التي تأتي غالبا كرد على صوت الرجلفتشتغل على ما هو هامشي ومهمل ومغفول عنه لجعلها قيمة إبداعية من خلال جعل الأشياء الخاصة بالأنثى تتكلم في محاولات منها لجعل الرجل يسقط ضحية لتسلطه وكبريائه بدءا بمواجهه الصمتعبرفعل البوح بالاعتراضعلى تلك الـ”محاكمة” ومواجهه الأشباح الذكورية والاحتجاج على غلبة العقليةالمتخلöفة الداعية إلى طمúسö شخصية الأنثى خلúف جدران سمöيكة من التابوهات والممنوعات والعيب… وغيرها فضúلا عن شيوع الإرهاب الأسري وإرهاب الشارöع والإرهاب الفكري والسياسي والديني والإنساني على كلö الأصعدة والنظر إليها نظرة قاصرة تضعها في سöياق استöعمالي وليس سياقا إنسانيا ورفع