الحوار الثقافي العربي الأميركي الجنوبي
هشام علي

انعقد في مدينة الرياض الاجتماع الثالث لوزراء الثقافة العرب ووزراء الثقافة في دول أميركا الجنوبية وذلك خلال الأيام 28-30 ابريل.
ولست بحاجة إلى تأكيد أهمية هذا الاجتماع الذي يمد جسورا للحوار والتواصل بين العرب وشعوب أميركا الجنوبية الذين تباعد بينهم الجغرافيا ولكن يجمعهم التاريخ والثقافة والتراث المشترك .. إذ أن ثمة شجرة أنساب انغرست في أرض القارة الأميركية الجنوبية منذ أكثر من خمسة قرون .. فالبحار المغامر كريستوفر كولومبس الذي اكتشف أميركا حمل معه آلاف من العرب المسلمين الأسبان أو (الموريسكيين) حسب التسمية التي اطلقت على من بقي من العرب في اسبانيا بعد سقوط الاندلس وقد ظلت هجرتهم متصلة حتى بلغ عددهم إلى نحو ثلاثة ملايين عربي موريسكي.
وقد حمل هؤلاء الموريكسيون اللغة الاسبانية التي يتكلمون بها ..محملة بالثقافة العربية والإسلامية .. باعتبار اللغة مخرنا للثقافة وأول عناصر اللغة الوليدة هو حملها للجينات العربية من مفردات بل وطريقة النطق والبنية النحوية.
إن مرونة ترتيب الكلمات في الجملة الاسبانية بعكس كل اللغات ذات الأصل اللاتيني هو محاكاة للجملة العربية وتصنيف الوثيقة الأساسية للاجتماع مؤكدة على هذا الازدواج اللغوي الاسباني – العربي فتقول:(لقد نقلت اللغة الاسبانية إلى أميركا الجنوبية حضارة البحر المتوسط بنكهة عربية خالصة).
ولم تكن اللغة الاسبانية المحملة كلمات وتعابير عربية هي وحدها ما نقله الموريسكيون إلى بلاد أميركا الجنوبية .. لقد نقلوا معهم كذلك طرائق العيش وأساليب الزراعة والرعي والحصان العربي وأهم من ذلك كله نقلوا معهم الإسلام الدين الذي ظلوا يدينون به خفاء بعد سقوط غرناطة حين قامت محاكم التفتيش الاسبانية بطرد المسلمين من بلاد الاندلس ولم يبق فيها إلا من اعلنوا خروجهم من دين الإسلام لكنهم كانوا يخفون إسلامهم ويمارسون عبادتهم في البيوت وهؤلاء هم الذين اطلق عليهم اسم (الموريسكيين).
لن استطرد في الحديث عن تاريخ الهجرة الاندلسية إلى أميركا الجنوبية واكتفي بالقول أن التراث الاندلسي الذي انتقل إلى أميركا الجنوبية قد أسس تراثا مشتركا إلى جانب ثقافات الشعوب الأصيلة في تلك البلدان وإلى جانب الثقافة الاسبانية الغازية التي حملها كولومبوس وجنوده والذين أخذوا معهم الديانة المسيحية وقاموا بفرضها على الشعوب الهندية كما قاموا بنهب الذهب والثروات وحملها إلى اسبانيا وينبغي الاشارة هنا إلى أن أميركا الجنوبية لم تكن أرضا خالية من الثقافة والحضارة والعمران كما تصورها رواية الغزو الاستعماري الأوروبي وتكونت في بلدان أميركا الجنوبية تعددية ثقافية وحضارية من اختلاط الشعوب والثقافات الأصيلة والمدنية والقادمة وهو ما أصبح تراثا راسخا في ثقافات شعوب أميركا الجنوبية التي تميزت بالانفتاح على الآخر والقبول به والتآلف معه ويرد في التراث الاسطوري لشعوب أميركا الجنوبية هذا القبول بالآخر.
حيث تقول أسطورة هندية قديمة أن الآخر القادم من خلف المحيط هو الشخص المنتظر لاستكمال دورة الحياة والحضارة في القارة الأميركية ويرجع بعض المؤرخين أسباب الاستقبال لكولومبس وبحارته بالفرح وعدم المقاومة إلى هذه الأسطورة المتأصلة في ثقافة الشعوب الأصلية.
وفي العصور الحديثة تنشأ هجرات عربية جديدة إلى أميركا الجنوبية فمنذ منتصف القرن التاسع عشر هاجر كثير من السوريين واللبنانيين إلى أميركا الجنوبية هربا من الاضطهاد التركي العثماني الذي كان يحتل بلاد الشام, وفي الثلاثينيات من القرن العشرين هاجر كثير من الفلسطينيين إلى أميركا الجنوبية هربا من الاستعمار البريطاني الذي كان يقوم بطرد الفلسطينيين من ديارهم تمهيدا للغزو الصهيوني الذي انتهى بقيام إسرائيل.
لقد تمت في هذه الفترة الحديثة هجرة عربية واسعة إلى دول أميركا الجنوبية ووجد المهاجرون العرب وطنا جديدا لهم استقبلهم برحابة ومودة ولم يجدوا أي جفوة أو عدم قبول أو إقصاء بل أصبحوا أبناء وطن وتعايشوا بسلام مع تلك الشعوب واندمجوا في ثقافتها وتراثها وتشربوا عادات أهلها وسلوكهم وكان اندماج المهاجرين العرب مع ثقافات تلك البلدان متميزا عن غيرهم من أبناء الجاليات الأخرى والسبب يرجع إلى اشتراكهم مع تلك الثقافات في الميراث الأندلسي وما تبعه من ثقافة إسبانية موريسكية.
هذا الميراث المشترك جعل المهاجرين العرب يشعرون بالانتماء إلى هذه البلدان وعدم الاحساس بالغربة .. لقد اندمجوا في تلك المجتمعات مع احتفاظهم بهويتهم العربية وانتمائهم للهوية الوطنية الجديدة التي اكتسبوها.
وتشير الورقة الرئيسية للاجتماع إلى هذا الاندماج والتواصل بين المهاجرين العرب والشعوب الأميركية الجنوبية:
(وهذه الجاليات العربية أحست منذ الجيل الأول أنها في وطنها الأصلي دون أتراك أو دون استعمار أوروبي,