نادي القضاة بين نبل الغاية وعدم مشروعية الوسيلة

المحامي/صقر السماوي


كثر في الآونة الأخيرة استخدام نادي القضاة وسيلة دعوة منتسبي السلطة القضائية للإضراب الشامل والكامل في كافة محاكم ونيابات الجمهورية في كل صغيرة وكبيرة والذي للأسف سرعان ما يلقى استجابة من منتسبي السلطة القضائية وبما أدى ويؤدي إلى تعطيل تلك السلطة الدستورية من سلطات الدولة وتوقفها عن مباشرة مهامها الدستورية. ومع أن توقف السلطة القضائية عن القيام بمهامها تحت أي مسمى أمر غير مشروع ويعد تعطيلا لأحكام الدستور وجرم يخضع لطائلة المساءلة والعقاب حسبما سنتناوله تباعا. علاوة على ما لذلك الإضراب من محاذير وأبعاد سبق وأن تناولها عدد من الأساتذة المحامين في مقالات سابقة ومن تلك المحاذير أن ذلك الإضراب يجعل القضاة وأعضاء النيابة جميعهم غير محايدين وفي خصومة مع مرتكبي جريمة اختطاف القاضي محمد عبدالعليم السروري وبما لا يجوز معه لأي منهم التحقيق في الواقعة أو محاكمة المتهمين فيها. إلا أن ذلك المسلك الذي سلكه ويسلكه نادي القضاة بصورة متكررة بقصد تحقيق مطالب القضاة سواء ما تعلق منها بالاعتداءات التي طالت وتطال منتسبي السلطة القضائية أو ما تعلق بالحقوق والمستحقات المالية الخاصة بالإخوة القضاة أو بغيرها من المطالب هو ما استدعى أن نتناول ابتداء بيان من خولهم المشرع ذلك الحق “الإضراب” وهل للموظف العام في أي سلطة من سلطات الدولة أو في أي مرفق عام من مرافق الدولة بمن فيهم الإخوة القضاة وأعضاء النيابة الحق في الإضراب أم أنه محظور عليهم ويعد قيامهم به جريمة تستوجب المساءلتين الجنائية والتأديبية ¿ وذلك وغيره هو ما نتناوله وفقا لما يلي:
1-تجدر الإشارة ابتداء أن الإضراب بحسب نشأته التاريخية إنما نشأ في مجال المشروعات الخاصة فيما بين العمال وأرباب العمل حيث يهدف صاحب العمل إلى الربح ويهدف العمال إلى الحصول على بدل مجز لجهودهم التي يبذلونها لصالح رب العمل أي أن الإضراب نشأ بسبب عدم التوازن بين مصالح طرفي عقد العمل أو بسبب تضارب هذه المصالح فلجأ العمال إلى الإضراب لإحداث هذا التوازن ومن هنا تكفلت المواثيق الدولية بإقرار ذلك الحق وهو حق الإضراب إلا أنها أكدت بأن يتم ممارسته وفقا للقوانين الداخلية لكل دولة وهو ما تكفلت به القوانين في معظم الدول ومنها بلادنا بالنص على حق الإضراب المشروع للعمال فنص القانون رقم (5) لسنة 1999م بشأن قانون العمل في المواد من (144) إلى (150) منه على حق الإضراب المشروع للعمال ونص فيها على القيود والضوابط التي تقيد ذلك الحق وتبين متى يكون مشروعا وجائزا وكيفية استخدام ذلك الحق وشروط استخدامه وأوردت قيود تضمن عدم اللجوء إليه مباشرة وكليا إلا بعد عدة مراحل كما أكدت على أنه في المنشآت التي تقدم خدمة عامة والتي يؤدي توقف العمل فيها أثناء الإضراب إلى تعريض حياة المواطنين أو أمنهم أو صحتهم للخطر فإنه يجب أن ينظم حد أدنى من الخدمة الإجبارية في تلك المنشآت بما يضمن عدم توقفها عن العمل. ولأن الإضراب المشروع نص عليه في قانون العمل فقط كحق للعمال في مواجهة أرباب العمل في القطاع الخاص فقد أكدت المادة (3/ب) من قانون العمل بأنه ” لا يسري هذا القانون على موظفي الجهاز الإداري للدولة والقطاع العام ولا على شاغلي الوظائف القضائية … الخ”.
2-وبذلك يتضح جليا أنه ليس من المشروع أو المتصور ممارسة وسيلة الإضراب في المرافق العامة للدولة التي لا تتقابل ولا تتضارب فيها مصالح الموظفين مع مصلحة المرفق العام التي هي المصلحة العامة فالموظف العام لا تربطه بالمرفق الذي يعمل فيه علاقة عقد ليسعى إلى تعديله لمصلحته بوسيلة الإضراب بل تنبثق علاقة الموظف العام بالمرفق العام من القانون الذي هو تعبير عن إرادة المجتمع والذي يمثل المصلحة العامة للمجتمع أي أننا هنا بصدد مصلحة عامة ومصلحة خاصة أرسى أصولهما القانون لا في مواجهة مصلحة خاصة مع مصلحة خاصة وازن بينهما عقد. لأنه إذا كان الإضراب الذي يلجأ إليه العمال في المشروعات الخاصة بقصد الضغط على صاحب العمل بحيث يوقع الضرر بمصلحته إن هو لم يستجب لمطالب المضربين فإن ممارسة الإضراب من قبل الموظفين العامين وإن كان يشكل ضغطا على إدارة المرفق العام إلا أنه بالضرورة يؤدي إلى إيقاع الضرر بالمصلحة العامة لأن إضرابهم يخل بحسن سير المرفق العام ويشل نشاطه المخصص بموجب القانون لتقديم خدمة عامة لكافة المواطنين ولذلك كان الإضراب غير مشروع للموظف العام. وهو ما أكد المشرع لأجله بنص الفقرة (2) من المادة (165) من قانون العقوبات بأن” ترك الموظف العام لعمله أو امتناعه عن أدائه بقصد عرقلة العمل أو الإخلال بإنتظامه يعد جريمة يعاقب عليها جنائيا بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بالغرامة “.
3 –مما سبق نجد جليا أن الإضراب محظور وغير مشروع لأي موظف عام يؤدي وظيفة عامة كونه من جهة يعد مخالفة للقانون تستوجب المساءلة

قد يعجبك ايضا