عصر التناحر المذهبي
أ.د. عزيز ثابت سعيد
أ.د. عزيز ثابت سعيد –
كأن دعوة أصابت الأمة الإسلامية وكأن هذا العقد هو عقد التناحر الإسلامي بقاموس مذهبي فحيثما يممت وجهك شرقا أو غربا وجدت حربا ضروسا تدور رحاها في هذا البلد الإسلامي أو ذاك وكلما قلبت الفضائيات الإخبارية وما أكثرها رأيت هما وغما كبيرين فلا ترى ولا تسمع إلا الفواجع حتى بدأ البعض منا يتساءل عن علة هذه الفتن المتراكم بعضها فوق بعض عنوانها التطاحن والتناحر حتى أصبحت رائحة البارود وصور الخراب والدمار مناظر يومية مألوفة غرست الكآبة والضيق في قلب وروح كل مسلم ومسلمة.
والواقع أن هذه الأمة لم تكن يوما حالها هكذا ولا حتى في عصور الوهن والدخن وعصور الغزو العسكري الصليبي والاجتياح المغولي وإنه — ويا للأسف — تطاحن يحدث بين اخوة الملة الواحدة بين أمة صاحب الحديث القائل: “إöذا التقى الúمسúلöمانö بöسيúفيúهöما فالúقاتöل والúمقúتول فöي النار…” والقائل: “لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم”. والمحير أيضا أن أمة الإسلام هي الأمة التي صبرت قرونا على ديانات أخرى واحتضنت مöللا ونحلا لا تعد وأبدت صبرا وتعايشا أدهش الأمم فارتضت أفواجا بشرية من ديانات عدة الإسلام دينا ومن بقي على دينه ظل معززا مكرما في ظل نظام إسلامي عادل وقد قيل: “لولا سماحة الإسلام لما بقي يهودي واحد على وجه الأرض” وهذه مقولة تاريخية نقرأها في معظم كتابات المفكرين المنصفين. لكن هذا الصبر والتعايش لم نعد نراه اليوم حتى بين أبناء الملة الإسلامية نفسها فقد أبدى المذهبان السني والشيعي قلة صبر وقلة أناة مع بعضهما بعضا صدم الجميع فلا يطيق المسلم أخاه المسلم من طائفة أخرى فطارت (أم قشعم) بدول مثل أفغانستان وباكستان ولبنان وغيرها وها هي تطحن البلاد والعباد في العراق وسوريا ولم تبق بلاد إسلامية بمذهبين سني وشيعي إلا ورحى الموت لا تنفك تجش وتدق ولا تكاد تبقي أو تذر ولم تترك بيتا في سوريا والعراق وغيرها من الدول ذات المزيج المذهبي إلا وأحزنته. وحدها اليمن التي ما زالت – إلى حد كبير– بخير من الصراع المذهبي المقيت فقد صمدت على مر السنين في تعايش يضرب به المثل بين السنة والزيدية الهادوية وما نخشاه هو أن تصيب اليمن اللعنة المذهبية حيث بدأت الفتنة تطل بقرونها جراء تهور جهات متطرفة من أتباع هذا المذهب أو ذاك لا تعي ما ستؤول إليه الأمور لو لا قدر الله انفجر الصاعق المذهبي فهل ستكون الحكمة اليمانية المشهود لها بكذا وتسعين حديثا من أحاديث المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) مانعة وواقفة في وجه التناحر المذهبي بين الأخ وأخيه¿ إن لحق اليمن بهذه الدول المتناحرة فلن تكون هناك دولة على وجه الأرض لا تحترب فيها السنة والشيعة فنحن الاستثناء في زمن الخراب وهذا الكلام نعلمه ويعلمه كل عقلاء الأمة الإسلامية في الشرق والغرب والشمال والجنوب. هل نصمد ونكون نحن عن التناحر بمعزل¿ هل يعي أخي وعمي وخالي الزيدي الهادوي الحوثي بأننا عشنا قرونا طويلة أسرة واحدة وبيتا واحدا لا يحقر منا الآخر بل نأخذ من المذهبين (السنة والزيدية) ما ينظم حياتنا¿ هل يشكل الإخوة الحوثيون حزبا مدنيا ينافس بل ويصبح مثالا يحتذى به في خدمة الشعب اليمني¿ والسؤال نفسه لحزبي الإصلاح والسلف – هل سنرى مشاريع وطنية نهضوية تخدم اليمن واليمنيين بدلا من المواجهة الحزبية¿ هل ستكون الأحزاب الدينية أحزاب بناء وتعمير تتنافس مع غيرها من الأحزاب في خدمة البلاد والعباد وتدع التفاصيل المذهبية التي تفرق وتمزق تماما كما كان حال أجدادنا الذين عاشوا وتركوا لنا ذخرا من التعايش والتآخي والتآزر¿ اللهم لا تجعل الأعداء يشمتون بنا.