قراءة في خطاب العلاقات في ديوان (شذى الورطة)

أ. علي أحمد عبده قاسم


لعلي لا أكون مبالغا أو متحيزا إذا قلت أن الشاعر والكاتب بشير المصقري واحد من الشعراء والكتاب الجادين والذين يقدمون نصا جادا جديرا بالقراءة والاهتمام علاوة عن القدرة الإبداعية في اختبار وطرق الفكرة المثيرة.. ويشكل ديوانه الذي صدر مؤخرا (شذى الورطة) صورة لقدرة الشاعر الكاتب والذي اشتمل عن نصوص متعددة كانت موضوعاتها عموما العلاقات الإنسانية المأزومة والحياة المرتبكة القلقة.. الديوان صدر عن الأمانة العامة لجائزة رئيس الجمهورية للشباب واحتوى عشرات النصوص المختلفة في ثمان وثمانين صفحة من القطع الصغير.
ومن خلال القراءة السريعة للديوان كان الديوان يعكس صورة لشاعر مجيد وجاد وإذا كان عنوان الديوان “شذى الورطة” لتكون “الورطة” معادل رمزي للحياة ومكابداتها وجمالها إلا أن العنوان المركب بالإضافة “شذى الورطة” له أبعاد ودلالات اجتماعية أخرى لم يرق لي كثيرا إلا الكاتب يحيل للإثارة دوما.
ولعلي سأتناول في هذه القراءة اللقطات المشهدية التي رسمت المرأة في الديوان كقراءة لصورة المرأة في خطاب الديوان وعلاقة من العلاقات الاجتماعية في الديوان.
” لو كان البرد امرأة
هل سنتحرى إغلاق النوافذ
والأبواب
ونضع الستائر الغليظة
ونرفض التعري” ص14.
لعل النص السابق يرسم صورة للتعري الخفي الذي يحكم تأمين المكان لذلك جاء في النص “سنتحرى إغلاق الأبواب نضع الستائر الغليظة نرفض التعري” مما يعكس حالة وصورة للحرص البالغ لحيوانية الإنسان في حالة ما. ولأن البرد أحق بذلك فإن صورة المكان ليست بذلك الحرص المأمون فالتعري في حالة البرد للمكان مكشوفا دون تحر فلا “إغلاق للنوافذ والأبواب وليس ثمة ستائر وتعر مفضوح” وربما هذه الحالة المتناقضة تعبيرا ساخرا ما بين رغبات الإنسان المختلفة والحرص الشديد على المرأة كقارورة تستحق المبالغة في الاستتار في حالة التري.
” كلما غازلها رجل
نبت على جسدها
نهد إضافي” ص8.
لعل النص يأتي بصورة متناقضة ما بين المرأة التي يتطلع لها الرجل أو المرأة التي تتطلع للرجل وأتى الخطاب بأداة الشرط “كلما” في جملة “كلما غازلها رجل” ليأتي الجواب “نبت على جسدها نهد”. وهذه صورة لعلاقة غير متوازنة ما بين الرجل والمرأة وغير منتجة وسخرية من المرأة “نبت على جسدها نهد إضافي” دلالة لتبدد عمر المرأة وحياتها المشوهة أو حياتها السراب وتعكس عدم مصداقية الرجل مع المرأة.
ويرسم الخطاب المرأة بصورة ساخرة سلبية بلغة مختزلة..
” ترسم نفسها
كلما اشتاقت لصديق”.
وهذه لقطة حياتية فيها من الخداع والابتذال الكثير “ترسم نفسها” ولأن الرسم للذات فيه خداع وإهمال وطمس للحقيقة في الذات وتعكس العدد “كلما اشتاقت لصديق” وتصور نوعا من عبثية الحياة والخطاب للمرأة في الديوان لا يعكس علاقة متوازنة بل يرسم صورة ساخرة من الخطاب وصورة للمرأة متبددة.
” تضغط بالجييز
أرداف الوقت
وتضع حمالة نهدين لتتدلى
السنوات”. ص5
مما يشير إلى حالة من اختلاق الجمال والغواية في عمر متلاش متبدد “نضغط بالجينتر أرداف الوقت لتدلي السنوات” فتدلي السنوات والوقت هو محاولة للحاق بالزمن المتلاشي المتبدد وعدم مصداقية مع الذات والآخر لكن الخطاب حاول أن يرسم علاقة متوازنة باعتبارها طرف ومؤثر من خلال بعض النصوص.
” كلما وافقت
نلتقي بالمساء
يعتذر الليل عن المجيء”. ص27
فإذا كان الخطاب الشعري القديم يستبطئ الليل طول الليل ليرى الحبيب وإن يشكو قصر الليل وهو مع الحبيب فإن اللقطة السابقة باللغة الكثيفة تستبطئ النهار لتغيرات الحياة العصرية فالليل أقرب إلى النهار “نلتقي بالمساء يعتذر الليل” فهذه صورة المشهد فيها علاقة فاعلة ومصداقية طرفين.
وإذا كانت الحياة بمختلف مستويات علاقاتها أخذت حيزا كبيرا من خطاب الديوان فقد تناول النص مشاهد متعددة للحياة ولأن الحياة ومواقفها العميقة هي موضوعات النص الأدبي عموما فإن الديوان حاول أن يرسم صور الحياة بطريقة الشاعر المتعمق.
” أنفتح على الجرح
والشتائم
مازالت تطرق”. ص7
لعل النص يحاول رسم نوعا من آلام الذات الآتية من المجتمع “الجرح الشتائم” وكلها تؤدي للجرح ولكن النص الموجز يحاول أن يرسم استمرارية الجراحات دون رحمة بصيغة الفعل المضارع والماضي “انفتح” ثبات للجرح واستمرارية الآلام بـ”مازالت تطرق” ليعكس صورة غير صحيحة من العلاقات.
” ليس كل حرارة
بحاجة إلى مكعبات
السكر”. ص15
وهذا النص يكمل النص السابق في استمرارية معاناة الإنسان الحساس وإن المكابدات مستمرة بمراراتها بوصف

قد يعجبك ايضا