المرحلة على قدر كبير من الوضوح
فتحي الشرماني
أستطيع القول عن توصيف المشهد اليمني اليوم بأنه مشهد ضبابي فيه تفريط بكثير من المعطيات لتكوين نظرة عميقة .. صحيح أننا لا نزال في المرحلة الانتقالية ونعيش أحداثا تثير كثيرا من التساؤلات, خصوصا حين يبدو الواقع عجينة سهلة بيد نزعات العنف والصراع وتلغيم الإعلام بمشاريع تدفع باتجاه التأزيم ومزيد من الاحتقانات, ولكن لا مجال لإنكار أن هناك رؤية واضحة تدير البلد, ولدى القيادة السياسية وعي بما تقوم به, وهي تسير بنا في خطوات متزنة تعكس تصميما على إنجاز شيء لم يتحقق منذ عقود, ومعالجة أمراض ظلت تنتظر العلاج حتى اليوم, وليس معنى هذا ألا تحدث أخطاء, فمن يمتلك الرؤية الواضحة ويعيش نبض الشارع بإمكانه أن يصلح الخطأ إن وجد.
ما دفعني لقول هذا الكلام هي تلك الآراء التي تستهجن أسلوب الوساطة الذي تكتفي به الدولة في هذه الأيام لحل الصراعات .. نعم, فأنا أعرف أن أسلوب الوساطة فيه إجحاف بحق من يلتفح بنار الظلم, وقد يكون فيه مساواة بين الجلاد والضحية, ولكن المرحلة كانت ولا تزال تقتضي من الدولة أن تدير الواقع بهذه الطريقة التي تنجح في قطع الطريق على كثير من المشاريع التي تريد لليمنيين مستقبلا حافلا بالصراعات والعداوات التي تحاول أن تقضي على أي أمل بقيام دولة على أساس وحدوي جديد, وتكون مهيأة للسير في طريق التنمية والتطور.
ثم إن الدولة في هذه الفترة بدت أكثر رسوخا أمام مظاهر الاستفزاز والإغراء بقرع طبول الحرب, فالقيادة السياسية رسمت لنفسها خطا من الحكمة والتصبر والتعقل وعدم التسرع, وهي بهذا الأسلوب تحقق النجاحات, وتصنع الحلول لكثير من المشكلات, وإن كان المواطن اليمني قد تحمل كثيرا من تبعات صبر الدولة وتجاهلها ما يمكن أن يدفع إلى إثخان مزيد من الجراح.
ولكم أن تتذكروا أن الجيش اليوم لم يعد جيشا منقسما ولم يعد يمارس وجوده على أسس غير وطنية, فقد تحقق لتوحيد الجيش خطوات وجهود نكتشف كل يوم أنها تزداد نجاحا في إلغاء شيء اسمه (فرقة وحرس) من العقل الجمعي, فالجندي اليمني اليوم في 2014م يظهر بملامح الوطن والولاء للوطن, ولا يعرف له أي انتماء لغير المؤسسة الدفاعية اليمنية.
بل إني أشعر أن نفسية الإنسان اليمني بشكل عام تتحرر من التعصب لشخص تختزل الوطن فيه, فكأن الناس ملوا من التخندق مع رموز ضد رموز, ولم يبق غير التخندق مع الفكر والتوجه, وهذا شيء لا غبار عليه, لأن المهم أن لا نعيش للأفراد, لأن الأفراد زائلون والوطن هو الباقي.
وحين نقارن المشهد السياسي في اليمن مع غيره من بلدان ما سمي بالربيع العربي فسنجد أننا نحن اليمنيين في وضع صحي, فالكل يشارك اليوم في رسم ملامح المستقبل, ولا إقصاء ولا تهميش, ولا استئثار ولا تغول, وثمة خطوات متتابعة في إنجاز متطلبات المرحلة.
كل هذا وغيره يجعلني أؤكد أن الواقع ليس ضبابيا, وإنما هو محفوف بإطار من الوضوح ينبغي أن ندعمه حتى ترسخ أقدام الوطن, ولو كان لهذا ثمن يدفعه بعض اليمنيين أكثر من غيرهم.
ونحن اليوم على مقربة من الانفراج الذي سترسمه مخرجات الحوار الوطني وصياغة الدستور والاستفتاء عليه والشروع في عملية ديمقراطية على أساس صحيح لا تزال اللجنة العليا للانتخابات تعمل من أجله, وليس لنا إلا أن نتفاءل بالخير, فالرسول الكريم يقول: (تفاءلوا بالخير تجدوه).