ضحـــايـــا الإبــداع!!
محمد القعود

> من بين الأصابع تقفز الأسئلة كوعول برية..
وتندلق من بين الشرايين علامات الاستفهام التي تنحني تحت ضربات الألم المتقن.. :
– متى سيحظى المبدع في بلادي بمعاملة تتدفق إنسانية..¿!
– متى سنبدأ بالالتفات- المبكر- إلى صرخات كل مبدع تنهشه أنياب الظروف ومخالب الحياة العمياء..¿!
– متى سنلغي من عقولنا المسكونة بسخام الريبة وأعماقنا المعبأة بخرسانة الأنانية أن المبدع الخلاق إنسان عديم الجدوى عالة على المجتمع «!!» وما هو إلا «دوشان» بثوب عصري!! أو إنسان «مصدوم» في عقله وبضاعته الإبداعية ما هي إلا «هلاوس» وثرثرة لا طائل منها وأن إنتاجاته في ميادين الإبداع المختلفة ما هي إلا بضاعة بائرة لا حاجة لنا بها!!
– متى سنكف عن مطاردة كل مبدع برصاص الإهمال ونصال التجاهل وكمائن النسيان ولا نبخسه إبداعه وعطاءاته¿!
ومتى سنستقيل من أداء أدوار النفاق وتقمص ملامح الأسى وإجادة ذرف المشاعر الزائفة كلما رحل عن دنيانا مبدع متأثر بجوعه ومرضه وفقره وبؤسه وإحباطه وإهمالنا المتعمد مع سبق الإصرار والأنانية¿!
> قد أكون مبالغا في طرح تلك الأسئلة «الفنتازية» وإطلاق أسرابها المحلöقة بالمرارة وفي فضاء هذه السطور الممهورة بحبر كآبتي ولكن الواقع الملموس كالشظايا أجرأ من أسئلتي وأبشع من وجه حقائقي الساطعة بقتامتها!!
– إن المبدع في بلادي توأم للأسى وهدف سهل للمآسي وفريسة ضعيفة للمعاناة.. وبركان من المواجع يمشي على قدمين ذاويتين..!!
– إن المبدع في بلادي إنسان محكوم عليه بالهزيمة الدائمة تحت حوافر الموت وبصور متعددة.. الموت مرضا.. الموت بؤسا وجوعا وفاقة.. الموت تشردا وانكسارا وحزنا.. الموت إحباطا وإهمالا.. الخ.
– إن المبدع في بلادي قيمة ضائعة.. وطاقة خلاقة محالة على رفö سخريتنا واستخفافنا بدوره وكائن وضيع في حساباتنا ومن «سقط المتاع» للمجتمع..!!
– والمبدع في بلادي ما زال – رغم تقولنا وتشدقنا المنمق بالزيف والادعاء – يتعرض لكل أنواع وألوان الاضطهاد النفسي والاجتماعي.. والخ.
وما زلنا وبوعي «عالي الجودة» نصوöب تجاهه رصاص إهمالنا ولامبالاتنا الخارقة لأحاسيسه وكيانه وإبداعه!!
> ويا لعري ضمائرنا وتفاهة مشاعرنا وهشاشة حقيقتنا عندما نتحدث وننظر ونتجادل في الندوات والمنابر الثقافية والإعلامية عن كيفية النهوض بالواقع وإشعال قناديل الوعي في مساربه المعتمة وعن أهمية الثقافة والإبداع والعلم في حياة المجتمع وتشكله ومساره الحضاري..الخ!!
بينما نتناسى وعن قصد وغير قصد الأساس الأول لذلك كله نتناسى الدور الهام والرئيسي للمبدع الغائب.
نتناسى كيف نوفر الظروف الملائمة لبقاء المبدع وحمايته من الانقراض واستمرارية عطائه.
نتناسى ونتعامى أن الإنسان المبدع هو الأول والأخير في تلك العملية!!
> إن الكلام عن واقع المبدع في بلادنا مر وباعث على الكآبة فهناك الكثير والكثير من ضحايا الإبداع.. فمنهم من انتقل إلى رحمة ربه بعد معاناة مريرة وطويلة مع المرض والفاقة.
ومنهم من يهيم على وجهه بعد أن منحته الظروف رتبة «مجنون» ومنهم من يعيش أسير الفقر والإحباط والضغوط النفسية ومنهم من يعيش حياة تشرد وتسكع في هذا الوطن ومنهم من لا يزال يتمسك بخيوط الأمل الواهية ويواصل رحلة إبداعه المحفوفة بديناصورات المواجع..!!
ولعل أكبر دليل على ظروف المبدع في بلادنا الحالات والظروف الموجعةالكثيرة التي مر ويمر بها الكثير من المبدعين الذين ظلوا يعانون من المرض والإهمال لعدة شهور .. وعندما دنت النهاية بدأت جوقة الحناجر في الاستغاثة ولكن في الوقت الضائع لتتعالى نبرات الأسف وذرف الدموع على رحيلهم الفجائعي!!
لا حول ولا قوة إلا بالله.
*سطور سابقة تطل على نفس المشهد !!