برتقالة السماء
ـــ خلاص كبرنا ..! قالتها بالتزامن مع نظره سريعة مرت بها على طفليها على جانبيها في إشارة لم تعيها أوحت بان ثمة علاقة بينهما وبين توجسها (كبرنا)) الجملة الخبرية المغلفة بالمزاح والمضمرة بقلق مشوب بالتحقق …..وكمن ينتظر تأكيد ذلك من عدمه ..حدقت باتجاهه مرتقبة ..تماما ركزت بؤبؤها صوب شفتيه.
ـــ صحيح زمننا بائخ وخائب واحلامنا فيه شاخت كماشاخت وجوه كثيرة قبل الأوان لكن ثمت وجوه رغم الوجع لم تعرف كيف تشيخ فظلت كذلك كما هي طازجة كبرتقالة السماء بعض هذه الوجوه وجهك أنت.. (هيام)..
كبحت جماح إبتسامة على شفتيها …عم وجهها إحمرار الخفر وتناولت جرعة من الماء وقد إختنقت بما أرادت أن تقوله من كلام تعثر بعبرة ما … في حلقها …ثم وقد لمس وقع مفرداته على قلبها أضاف جرعة أخرى بطريقة ممازحة
. ــــ حين يأتي الوقت الذي يداهم محياك الكبر ساقرر أن أوصد أبواب ذاكرتي عنك لأحتفظ بملامحك زاهية طرية كما هي عليه الآن إلى الأبد..
أرتعشت وانتفض قلبها من جديد وقد تساقطت عنه كتل الجليد.. اللتي تركت دويا كبيرا رددته روحه المرهفة جدا .. لايدري لم غمرها بكل هذه الجرعات من الغزل والحنان ولكنه لم يرى قلبا بائسا كقلبها يستحق التعاطف وهي تطرح تساؤلها ذاك….(كبرنا )…رغم إن ملامحها تبدو أصغر عمرا بكثير من ملامح من هن في عمرها…ــ لم يتعدى عمرها عتبة الثلاثين ـــ …كم بدا توجسها مخيفا ومفتوحا كجوف هاوية ليس لها قرار. ….وشعر هو بفضول جامح أن يلجم فراغ تلك الهاوية
. أمتطى شرودة بعيدا …. : ((إنها تملك كل شيء ….ولايعوزها إلا مناخا دافئ يبدد الضباب في عروقها وتتفتق في كنفه زهورها إذ أن (مناخها البارد )كما يأتي إليها كل ليلة صامتامثل أبكم يغادرها بذات الصمت تاركا مشاعرها متجمدة في فريزر الإهمال ..مكتفيا بما يغدق به عليها من ماديات ضاقت بها ذرعا ..فهو دائم الأنشغال بأعمالةالتجارية المترامية وسفرياته اللتي ما ان ينتهي من سفرية إلا ليبداء أخرى
. (صيفنت) الأغنية التي تتعمد بإصرار أن تسمعه إياها ليل نهار ولم يفقه لهاطلبا((قللي ولوكذبا كلاما ناعما قدكاد يقتلني بك التمثال .))
لكن التمثال يصر على أن يبقى كذلك إلى الأبد .فيماهو (العبد الفقير )يفتقد لكل شيء كل شيء يجتاز اليوم يوجبتين فقيرتين ـــ لكن قلبه غني بمخزون غزير من المناخات الخصبة اللتي تكفي أن يترعرع فيها ربيعا دائما .
ثم وهو يقارن بين حالها وحاله تمتم
.. ــ ياللمفارقات
…! وحين غدا مختليا بذاته وقف أمام نفسه متسائلا .
ـــ ولكن لم قلت لها ذلك …مالذي حدا بي أن أمازحها على ذلك النحو الغزلي الفاضح ….هل كنت مضطرا ان أقع في حماقة من هذا النوع اللتي أعلم مسبقا مخاطرها مع قلب يعتصره الحرمان …¿
وخطر في باله توا إنه ـــ كما عرف فيما بعد.ـــ إنها فوق ذلك كانت تحبه وتضن إنه يبادلها ذات المشاعر فيما في الحقيقة كان قلبه منحازا بجنون (لأمنية أخرى )سواها..رغم التصاقهما الحميم ذات طفولة وصبا حتى غدا الرعيان يغمزانهما بخبث كلما شاهداهما ملازمين لبعض.. حتى حينما يجدون فرصة للعب في المراعي فإن القدر يجمعهما في فريق واحد وإن حصل وإن فرقهما أعترضا على ذلك بعدم الرغبة في اللعب الأمر الذي يجعل كبيرة الرعيان تضحك بخبث وتقوم بتعديل الأمور ليصيرا إثنينهما في فريق واحد وينتهي الإشكال …..ولكنه قرر بالطبع إنه لم يعطف عليها بذلك الغزل لهذا السبب ..إنه متاكد من ذلك
. ــ لا لا ليس لهذا السبب مطلقا..
وكما لو حزبه أمرأطرق مليا الى الأرض وتقطيبة ..على الجبين تركت كرة صغيرة في ملتقى الحاجبين … راح يشفط سيجارة كانت بيده اليسرى وينفخ دخانها بقوة ابتسم ثم شكل بأصبعة الوسطى مع الإبهام قرقعة قوية وقد بدت عليه علامات الرöضا وهو يردد في أعماقه بخفة ونشاط
ــ لايهم ..مايهمني إنها المرة الأولى التي لمست فيها حاجة إنسان واستطعت أن ألبيها ..إنها فرصة لن تتكرر مجددا فرصة أن تجد من يحتاج لشيء تملكه أنت وبمقدورك أن تمنحه إياه وتقذف بعض الدفئ على مشارف قلب غارق بجليد رجل جامد الملامح يستطيع أن يحضöر عفاريت سليمان لخدمته ولكنه يعجز أن يجعل قطعة الجليد ( قلبه الجلمود ) ينساب صيفا وربيعا في حياض قلب مل من الصقيع حتى غدا تحت الجليد المتراكم مثل قنفذ يقضي بياته الشتوي ..قبل أن ينفث هو وينث فيه حرارة غزله ليتحرك ويشتغل نبضه من جديد كما لمس هو ذلك .. دخن سيجارة أخرى من سجائرة ذات النوعية الرديئة ولكن هذه المرة باسارير وجه منفرج … يشعر بقيمة ذاته … كونه أستطاع أن يكون اليد العلياء في حين إنه في الواقع صاحب حظ عاثر …طالما حدث نفسه وهو يقطع الشوارع برسم السعادة على وجوه البشر الحزانى والأطفال والمحرومين … .. لكنه