هل ثقافة عروبتنا تعيق عودة “أمراؤنا” مواطنين عاديين¿! (2-1)
خالد القارني
فكرة هذا الموضوع استوحيتها من حديث للشيخ علي صالح الأشول في جلسة مقيل نقاشية بمنزله نقاش فرضته علينا كما فرضته على غيرنا من “المجالس اليمانية” همومنا وأوجاعنا الوطنية وشد انتباهي فيها الكثير من النقاط الجديرة بطرحها للرأي العام وللمهتمين بدراسة الظواهر السياسية والاجتماعية ومن ضمن هذه النقاط التي ذكرت ورأيت تناولها هنا لتزامنها مع مآلات واقعنا الراهن تلخصت في: “انه لا يوجد في التاريخ العربي الحديث أو الوسيط زعيم عربي ترك الملك او السلطان طوعا وعاد إلى منزله ليعيش حياة طبيعية كمواطن عادي من أبناء الشعب مثلما يحدث في دول العالم المتقدم”.
هذه الاستنتاجية تشير إلى بعدين رئيسيين مهمين البعد الأول هو: أن مثل هذا الطرح يعبر عن عمق التفكر الواعي والتفاعل السياسي غير المسبوق مع قضايا الأمة في حاضرها ومستقبلها وبرغم قصر الحيز الزماني للحراك السياسي الشامل على مستوى المنطقة العربية إلا أنها غدت مسموعية تزداد مع مرور الأيام اتساعا وانتشارا تتشكل منها ظاهرة مجتمعية ماحية للأمية السياسية ممتدة من المحيط إلى الخليج إذا ما تطورت ستكون الضمانة الأكيدة للمستقبل الأفضل الذي تستطيع فيه اجيال الأمة استئناف دورها الكوني الغائب أو المغيب في دهاليز الأشرار.
أما البعد الثاني فيشير إلى ضرورة تفسير هذه الظاهرة علميا لتلمس أسباب خلو السجل السياسي العربي الطويل من حالة اعتزال القادة للسلطة والعودة للحياة الطبيعية. هل السببية تعود إلى طبيعة النظام السياسي الذي حكمنا أم هي مواطن خلل أصابت منظومتنا الثقافية أم هناك عوامل أخرى¿!!
وفي اعتقادي أن التجربة الغربية التي تحررت من سلطة الكنيسة المطلقة فيها ما يدلنا على اكتشاف الموانع الفعلية التي تمنع عنا هذا التطور السياسي في الحكم لقد أولى الغرب هذا الجانب أهمية كبيرة من التشخيص والمعالجة أفرزت كثيرا من الرؤى المختلفة حول هذه القضية ذات سياقين مختلفين: السياق الأول تعلق بعلم السياسة والثاني تعلق بعلم الاجتماع. في السياق الأول تم التركز على بناء شروط حرية وكرامة الإنسان وشرط تحقيقه مراقبة الأمة لصاحب السلطة التنفيذية بقاعدة لا طاعة لرئيس أو ملك أو أمير في شيء يخالف المصلحة الوطنية أي بمفهومنا الإسلامي “معصية الله” فوجدوا أن الديمقراطية الحقيقية ” حكم الشعب نفسه بنفسه” أي بمفهوم القرآن الكريم” أمرهم شورى بينهم” أمرهم: أي الدولة وشورى بينهم: أي الشعب هي الآلية الوحيدة التي تضبط العلاقة بين الشعب صاحب السلطة ومالكها وبين الحاكم” الموظف بناء على رضا واختيار الشعب لأداء مهمة إدارة سلطة الدولة وفق برنامج أعده وعرضه على الشعب وقبل به الطرفان. وعمم هذا النظام الديمقراطي على سائر الأنظمة الغربية سواء الجمهورية أو الملكية فأصبحت الجمهوريات جمهوريات ديمقراطية والملكيات ملكيات دستورية ديمقراطية أي أن الملك يبقى مجرد رمز لسلطة التاريخ أو سلطة الهوية والعادات والتقاليد أما السلطة التنفيذية والتشريعية فيتم انتخابها ديمقراطيا تنافسيا حقيقيين وليس شكلانية كما في دول العالم المتخلف التي تمكن من طغيان من يعمم الجهل والأمية السياسية والفقر حتى يتمكن من شراء الضمائر والأصوات.
وهكذا صارت الدول تنقسم إلى شقين بحسب طبيعة المرجعية التي تستند إليها قيمها الحاكمة في كل شؤونها العامة والخاصة. أما ديمقراطية بمقتضى برنامج معين هو الذي فاز بالأغلبية في الانتخابات وهو الذي يشرع ويقضي وينفذ ليس بشخصه ولكن ببرنامجه الواحد. أو سلطة القافزين على الكراسي وأزلامهم ممن ينعمون أصحابها بما توفره لهم من استعباد الشعوب والاستبداد بمقومات قيامها الإنسانية والمادية وتتحول السلطة عندهم إلى مرض عضال ومزمن لا يشفون منه إلا بالموت لأن أخذها كان على أساس “القوة والتملك” وتركها سيكون بنفس آلية أخذها بـ “الأمر الواقع” قوة مضادة جديدة تزيحها وتتملك ما تركتها.
إذن من انتخب رئيسا ليكون رمزا للنظام السليم واختار حكومة تسير شؤون الناس بما يستجيب لإرادتهم ومطالبهم وسن قوانين تعبر عن الإرادة الحرة والكرامة سيكون الوضع عند تسلمه السلطة وبعد تركها سيان لأنه حين أخذها كان مدركا أنها “وظيفة” وعند ما تركها كان مدركا أنها ” وظيفة” وحان تسليمها إلى غيره ليكمل الجديد من حيث توقف القديم.
والخلاصة من الناحية السياسية إن طبيعة النظام السياسي هو إحدى القواعد الأساسية التي تحدد وتنظم شكل ونوع نهاية الحياة السياسية لأي قائد سياسي على س