خسارة دنيوية وعز ورفعة أخروية

طاهر محمد الجنيد

 

رحلوا شهداء في سبيل الله ومن أجل المبادئ والمواقف والقيم التي يؤمنون بها، تسلموا المسؤولية وحملوا الأمانة ونالوا الشهادة وهم يؤدونها، لم ينكصوا ولم يتراجعوا وهم يدركون أنهم مستهدفون والوطن يتعرض لأبشع أنواع الإجرام من قبل التحالف الصهيوني الصليبي الذي يريد تدمير الأرض والإنسان والحضارة ويحوله إلى حديقة خلفية لكل الموبقات، كما فعل في البلد الحرام وفي كل البلدان التي تخضع أنظمتها لسيطرته.

سقطوا شهداء كما سقط الأبطال، كلما قضى بطل نحبه سلَّم الراية لمن يأخذها بعده، وكأنهم على موعد لاجتراح البطولات أسوة بالمؤمنين الصادقين من الصحابة الكرام الذين ضربوا أروع الأمثلة في غزوة مؤتة.

كانوا يدركون أنهم أول الشهداء إن حانت المواجهة مع الإجرام الصهيوني أو غيره من الإجرام، لأنهم يعلمون يقينا أنهم يواجهون عدواً لا أخلاق له ولا مبادئ ولا قيم، لا يؤمن إلا بالقوة ولا يحترم غير القوة ولا تردعه غير القوة حتى وإن اختلفت مسميات مكوناته من السعودية والإمارات حيناً وأخرى أمريكا وإسرائيل وبريطانيا وغيرها، فكلهم في الإجرام والطغيان والاستبداد واحد لحلقة في سلسلة استعمارية استعبادية تهدف إلى إبادة الشعوب والسيطرة عليها وامتصاص خيراتها ومصادرة قراراتها وتدمير أخلاقها وقيمها ومبادئها والتأسيس لإقامة إمبراطورية الشيطان وحزبه بكل ما يعني ذلك من دلالات ويصدق عليهم قول رئيس كوبا فيدل كاسترو -رحمه الله-، عندما سئل عن الفرق بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي الأمريكيين؟ فقال: إنهما كفردتي الحذاء لا فرق بينهما على الإطلاق.

نعم خسر الوطن شخصيات وطنية ذوي قيم إيمانية وإنسانية مثل الأستاذ أحمد غالب الرهوي -رئيس مجلس الوزراء وكوكبة من الرجال المؤمنين، منهم الأستاذ جمال عامر -وزير الخارجية وهاشم شرف الدين- وزير الإعلام ومحمد المولد -وزير الشباب والرياضة والقاضي مجاهد أحمد عبدالله -وزير العدل والأستاذ علي سيف محمد -وزير الكهرباء والأستاذ محمد عياش قحيم- وزير الأشغال العامة وعلي قاسم اليافعي -وزير الثقافة والأستاذ سمير باجعالة -وزير الشؤون الاجتماعية والأستاذ معين المحاقري -وزير الاقتصاد والإستاد رضوان الرباعي -وزير الزراعة والشهيد المجاهد محمد الكبسي -مدير مكتب رئيس الوزراء والمجاهد زاهد العمدي – سكرتير مجلس الوزراء وغيرهم من الشهداء وهو درب لا ينتهي بموت أي فرد فيه، لأنه قائم على الأفكار والفكرة لا تموت، فقد مات خير خلق الله الرسول الأمين محمد صلى الله عليه وآله وأصحابه .

وعلى مثل ذلك قضى قائد المسيرة القرآنية الشهيد القائد حسين بن بدر الدين الحوثي وكل الشهداء الذين قدموا دماءهم رخيصة في سبيل المبادئ التي يؤمنون بها، لم تتراجع المسيرة، بل زادت ألقا وتوهجا وتقدما وحققت إنجازات يشهد بها الجميع.

كان رحيلهم سيعد خسارة إذا قضوا لغير هدف ومبدأ وقضية وهو ما لم يكن، بل قضوا شهداء من أجل مبادئ الحق والعدالة والإنسانية ونصرة القضايا العادلة وعلى يد من لعنهم الله وأخزاهم في الدنيا قبل الأخرة، وهو ما يجعل رحيلهم مكسبا حقيقيا لهم ولأجل تلك المثل التي ضحوا من أجلها فقد اشتروا أنفسهم من الله.

ورحيلهم يعد مكسبا لليمن في مواقفها المبدئية وللمسيرة القرآنية التي أثبتت القول بالعمل والإيمان بالسلوك والحقيقة بالواقع.

أي شرف وأي عز أغلى وأعظم من أن يستشهد الإنسان في سبيل الله ومن أجل إعلاء كلمه الله ونيل رضوان الله وينصر قضية عادلة ويقارع الطغيان والإجرام؟ قال الله تعالى ((إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم )) التوبة 111.

باعوا أنفسهم رخيصة لله مقابل الجنة وقاتلوا وجاهدوا واستشهدوا واستحقوا وسام الصفقة “البيع الرابح من الله”.

لم أجد مبررا مقنعا لمن غاظهم استشهاد هؤلاء الكوكبة من الرجال المؤمنين الصادقين وعلى يد المجرمين من شذاذ الآفاق وتحالفاتهم الإجرامية، الذين لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة خاصة ونحن نعيش في زمن الابتلاءات التي أفرزت الناس إلى فسطاطين وقد يطلق عليها البعض أنها فتنة الدهيماء التي يتمايز فيها الناس، فقد جاء في الحديث الصحيح عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أنها ((فتنة لا تدع أحداً إلا لطمته لطمة, فإن قيل انقضت تمادت, يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، حتى يصير الناس إلى فسطاطين، فسطاط إيمان لا نفاق فيه وفسطاط نفاق لا إيمان فيه )).

المؤمنون يناصرون المؤمنين والمنافقون يناصرون المنافقين والمجرمين، وهو ما نراه ماثلا في دعم النصارى والمنافقين لليهود، أيضا يساندون الإجرام – أي قادة معظم الأنظمة العربية والإسلامية- ويخذلون غزة وفلسطين مع أنهم لو نظروا إلى مظلوميتها، كما ينظرون إلى نضال وكفاح الشعوب المستعمرة مثل فيتنام وغيرها، لوجب عليهم دعمها من الجوانب الإنسانية ونصرة المظلوم، لأن الله لا يقبل الظلم ولا العقل ولا الضمير، فما بالك وأهل غزة وفلسطين عامة مسلمون وموحدون وعرب تجمعنا بهم روابط الأخوة والدين واللغة وأواصر القربى والجغرافيا والتاريخ المشترك.

الشهداء الكرام الذين قضوا كان بإمكانهم المتاجرة بمواقفهم ودعم إجرام التحالف الصهيوني الصليبي أسوة بما فعله ويفعله صهاينة العرب، وحينها سيحصلون على الامتيازات الكبيرة التي ينعم بها صهاينة العرب ممن يتاجرون بقضايا الأمتين العربية والإسلامية، لكن هؤلاء الشهداء فضلوا البقاء في صف الوطن والدفاع عن الدين والعقيدة وعن قضايا الأمة وأهمها قضية ومظلومية الشعب الفلسطيني.

الابتلاءات والامتحانات التي تقدرها الحكمة الإلهية كسنّة من سنن الله، قال تعالى ((وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين))، تميز الناس من حيث الثبات على المبادئ والقيم أو التفريط بها، والرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أكد هذا المعنى فقال (والذي نفسي بيده لتدخلن الجنة كلكم إلا من أبى وشرد على الله كشرود البعير، قالوا ومن يأبى أن يدخل الجنة؟؟ فقال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى) وهو حديث صحيح.

لذلك فمن بديهيات القول إنه لا يستوي من يطيع الله ورسوله ويجاهد في سبيل الله بنفسه وماله ويستشهد، ومن يتولى اليهود والنصارى ويدعم إجرامهم ويساعدهم في ارتكاب جرائم الإبادة والتهجير القسري وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية ضد إخواننا المسلمين في غزة وفلسطين .

قد يعجبك ايضا