التجمُع على الحق.. قوة للأمة ونصرة للمستضعفين

القاضي/ حسين بن محمد المهدي

 

 

القاضي/ حسين بن (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) .
إن وحدة الأمة هي سرّ قوتها وعزتها، وهي وصية الله لعباده المؤمنين في كتابه، ووصية نبيه صلى الله عليه وآله وسلم لأمته؛ فبالاجتماع يعلو الحق وينهزم الباطل، وبالفرقة تضعف الأمة وتُستباح حرمتها. وما أحوج المسلمين اليوم إلى التمسك بحبل الله المتين، وإحياء معاني الأخوة الصادقة، نصرةً للمظلومين، ودفعًا لظلم المعتدين.
فالإسلام هو دين اجتماع ووحدة وإخاء؛ فهو يدعو المؤمنين جميعًا إلى التعاون على البر والتقوى، (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ).  وفي الحديث النبوي: “المؤمن للمؤمن كالبنان أو كالبنيان يشد بعضه بعضًا”.  وجاء في حديث آخر: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له بقية الجسد بالسهر والحمى”.
وقد منَّ الله على المؤمنين إذ جعلهم أمة واحدة فيما يقولون وما يفعلون، وما يأتون وما يذرون؛ فمعبودهم واحد، وعبادتهم واحدة، (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)، (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ).
فالدين الإسلامي دين وحدة واجتماع، وفي الحديث: “إن يد الله مع الجماعة”.
وجاء الإسلام بالرحمة التي بها يتعاضد الناس ويتعاونون ويتعاطفون، واتصف بها محمد صلى الله عليه وآله وسلم المبعوث إلى كافة الأنام: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ).  واتصف بها المؤمنون:(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ).
ويترجم ذلك خروج أبناء اليمن شيوخًا وكهولًا وشبانًا إلى الساحات بالملايين، وذلك في ذكرى مولد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في فرح وسرور، وعزة وإيمان، ومحبة وإكرام، (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)، (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ).
إنه الفرح بنبي الرحمة، والقرآن الذي هو هدى ورحمة: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ).  وفي هذا التجمع الكبير لأبناء اليمن الذي لم يحدث له مثيل، أطلق المؤمنون من أبناء اليمن أصواتهم بنصرة المظلومين في فلسطين، اقتداءً بهدي النبي الكريم: “من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه”، وخروجا من تبعات السكوت عن المنكر؛ لأنه قد جاء في القرآن العظيم الثناء والخيرية على من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وقد أمر الله بذلك: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
وقد استجاب اليمنيون أهل الإيمان والحكمة لأمر ربهم.
فالمؤمنون يجب عليهم اتباع نهج نبيهم؛ فهم رحماء بينهم، أشداء على الكفار، وقد جاء في الحديث: “لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم وتأطرونه على الحق أطرًا”.  وجاء في حديث آخر: “إذا هابت الأمة أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودع منها”.  فكان لخروجهم الكبير أثر كبير في كسر حاجز الصمت على ما يحدث من ظلم في فلسطين، وقتل أبنائها شيوخًا وكهولًا وشبابًا وأطفالًا ونساء.
ولهذا الخروج الكبير فوائد كثيرة نلخص منها:
١. إعلان تجديد الولاء لله ولرسوله ولشريعته ولكتابه، والمحبة لله ولرسوله ولأهل بيته والاتباع لهدي النبي الكريم، والاستجابة لقائد المسيرة القرآنية.
٢. إظهار تماسك جماعة المؤمنين من أهل الإيمان والحكمة، وأن المجتمع متماسك كمثل الجسد الواحد يصعب اختراقه أو هزيمته.
٣. القوة والمنعة: فإظهار توحد الأمة في جماعة واحدة يمنحها قوة معنوية ومادية تجعلها قادرة على مواجهة التحديات.
٤. تحقيق التعاون والتكامل: إن ظهور اليمنيين بالملايين على شكل جماعة متحدة يحقق الترابط بين أفراد المجتمع فيقوي بعضهم بعضًا.
٥. تحقيق الأمن والاستقرار: إن ظهور اليمنيين في كل الساحات في شكل جماعة واحدة يسهم في خلق بيئة آمنة مستقرة، يطمئن فيها الجميع، بعكس المجتمع الذي يسوده الخوف والقلق، فإنه يكون متفككًا مضطربًا خائرًا عاجزًا عن قول كلمة الحق.
٦. إن ظهور اليمنيين في كل تلك الساحات وهم يلهجون برفع أصواتهم نصرة لإخوانهم في فلسطين يشكل وسيلة فاعلة لكسر حاجز الصمت عن الظلم الذي يحدث في العالم عن مظلومية الشعب الفلسطيني من قبل الصهيونية، ويجذب انتباه الرأي العام العالمي والمحلي إلى ما يحدث من انتهاك لحقوق الإنسان في فلسطين من قبل الصهيونية اليهودية.
٧. إن تظاهر اليمنيين واجتماعهم قد يشكل ضغطًا معنويًا ونفسيًا على الطرف الظالم، مما قد يدفعه إلى إعادة حساباته أو التراجع عن ظلمه خوفًا من اتساع رقعة الاحتجاج إلى كل أنحاء العالم، أو فقدان شرعيته التي يزعمها.
٨. تعزيز الشعور بالتضامن مع الشعب الفلسطيني؛ فيشعر المظلومون في فلسطين أنهم ليسوا وحدهم، مما يعزز روح الأمل والصمود لديهم، ويقوي أواصر التكافل الاجتماعي.
٩. تذكير السلطات والشعوب في مختلف البلدان للقيام بمسؤولياتهم، وفي ذلك إرشاد للسلطات والشعوب بوجود خلل وتقصير في الواجبات التي ينبغي إحياؤها من أجل حماية حقوق الشعب الفلسطيني المظلوم، مما قد يدفع هذه الشعوب والسلطات لتصحيح مسارها.
١٠. حفظ الهوية والثقافة الإسلامية؛ فخروج الناس في مظهر مهيب يرمز إلى وحدة المجتمع، ويظهر حفاظه على هويته الإسلامية وقيمه وتراثه الثقافي، بما يشعر بتماسكه وعدم انحلاله وذوبانه.
١١. مظاهر الوحدة والاجتماع: إن التوحد في الساحات والوقوف فيها صفًا واحدًا كالتوحد في الصلاة خلف إمام واحد، وذلك مما يرمز إلى الوقوف في وجه الأخطار والالتزام بمنهج واحد.
فالتجمع في هذه المظاهرة الكبرى يعتبر وسيلة من وسائل نصرة المظلوم وإعلاء كلمة الحق، فضلًا عن كون القوة والمنعة هي للجماعات القوية المتماسكة التي يصعب كسرها، وقد قيل: الاتحاد قوة؛ لأنه يشكل تكاملًا وتعاونًا بين كل أفراد المجتمع، فتتحقق الأهداف الكبرى التي لا ينهض بها فرد بمفرده، بل الجماعة المتعاونة، وبذلك تحصل البركة ويشع النور؛ فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: “يد الله مع الجماعة”، أي إن التوفيق والعناية الإلهية تكون مع الجماعة، وأن هذا الاجتماع الكبير مما يحسن صورة اليمن أمام الآخرين؛ فالمجتمع المتماسك يحظى بالاحترام، وتقل فرصة استغلاله من قبل الأعداء.
فلذلك فإن هذه المظاهرات الكبرى وسيلة تعبير جماعي عن ولاء اليمن لله ورسوله ولقائد المسيرة القرآنية، وتعبيرًا عن مناصرتهم وتضامنهم مع الشعب الفلسطيني، خالية من الأذى للمؤمنين، وهي تشكل حادثة تاريخية تؤكد نجاح اجتماع الناس في نصرة المظلوم.
إن اجتماع الأمة ووحدتها على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم هو سبيلها للنصر والتمكين، وهو طريقها لحفظ عزتها ودينها، ولنصرة المستضعفين في كل مكان. فاللهم وحّد صفوف المسلمين، وألف بين قلوبهم، وانصر بهم الحق وأهله، واكسر شوكة الظالمين، إنك قوي عزيز.
(إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ). (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).

قد يعجبك ايضا