الذهنية الروائية (3)

صدام الشيباني

 - يتورط الروائي العربي في مشاكل كتابية ترتبط بالحكي , وصيغته , إذ يجعل نفسه فوق الفكرة , على أنه العليم بكل أزمات الحياة , (كلي المعرفة) , وغالبا ما يكون
يتورط الروائي العربي في مشاكل كتابية ترتبط بالحكي , وصيغته , إذ يجعل نفسه فوق الفكرة , على أنه العليم بكل أزمات الحياة , (كلي المعرفة) , وغالبا ما يكون الراوي كلي المعرفة مكروها بسبب تدخله مباشرة في الحكي , فهو يقوم بالتجسس على شخصياته , وتقويلها ما لم ترد أن تقوله , واختيار نهايات لحياتها لا تريدها , أو اقحامها في أحداث غير مناسبة لها . لأن الرواية عن الآخرين تحمل الكثير من الزيف والتلفيق , والتهويل , أو المرور فوق القضايا دون إحساس بها , و فيها نوع من الهيمنة المباشرة على الشخصيات , وتكون من خارج ثقافة المجتمع . ويوهم الراوي بأنه يقوم بدور الوسيط , أي انه يقوم باللعبة الفنية , ويؤدي دور الحياد , وهو بذلك يتحيز ويتطرف , ويغالي في تناول قضايا المجتمع . يستخدم بعض الروائيين هذه التقنية ليتخلى عن دوره الحقيقي في تعيين الرؤى , وحتى لا يحسب على طرف بعينه , وإن المجتمع هو المسؤول الأول عما يجري له من تدمير , وذلك بجعل الصراع في الحكاية غير مسيطر عليه أو غير قابل للسيطرة , ليضمن بقاءه مع كل الأطراف . والراوي لا بد أن يكون له موقف مما يحدث في بلده , ويحاسب على ذلك . يختار الراوي موقعا له في مساحة الحكي , وشخصية قريبة من شخصيته , يسقط عليها كل رؤاه وأحلامه , وأفكاره , ويتعاطف معها في تمرير أخطائها , وتبرير أفعالها , وجعلها غير منطقية , لدرجة التناقض الذي لا يلمسه الروائي . ويترك المواقع المهمة والحساسة التي تؤدي الأدوار الحقيقية في المجتمع المتصارع . وإن ظهر الهامش ـ مثلاـ في بعض الروايات فهو يعاني خفة “الفنية” , ويقف على أرضية ليست قوية فكريا . الروائي اليوم يراهن على ما كان , يعيد إنتاج التاريخ الصراعي الماضي , ولا ينظر الى مستقبل الصراع , ومستقبل التحول داخل المجتمع , ولا يفكك القوة الخارجية التي تسيطر على البيئة كما هو الأمر في عالمنا العربي , لأن الروائي متأثر بالأحداث وليس صانعا لها . والمستقبل هو الركيزة الوحيدة التي تخلق الأمل لدى الناس , ويدفعهم الى تغيير نمط حياتهم الى ما يدعم التنمية الفردية والمجتمعية والثقافية . ينسى الراوي كلي المعرفة في رواياتنا أنه مراقب لأنساق التعددية , ويتعامل مع الشخصيات من منطق عاطفي , فتطغى الصيغة الغنائية للسرد . ومنطق التعدد هو الخيار الثقافي الوحيد الذي يجب أن يشتغل عليه الروائي , لأن الأوطان تمر بصراعات أيديولوجية عنيفة دمرت المواطن العربي وشردته الى دول الجوار , وتكييف التعدد حسب شروط البيئة الثقافية يحتاج الى رجل مخلص لقضايا السرد و المواطنة , خصوصا في البيئات التي ترفض التعدد وتتعامل معه برفض مطلق , وما أكثرها في عالمنا وأمتنا . يركز الروائي على صيغة الثنائية في الثقافة (الخير / الشر) , ويسير الانتماء الى واحدة من الصيغ , ويدع التخليق الذي يمكن أن يحدث في إحدى هاتين الصيغتين , أي من الخير يمكن أن يولد الشر , ومن الشر يمكن أن يخلق الخير . إذ إن منطق الكسر والتدمير غير جدير بهذا التخليق . ونحن بحاجة الى هذا التخليق , لأنه الأسلوب التحذيري المناسب الذي يتنبأ بحدوث الصراع , ويساعد على قراءة الأحداث بأمل جديد . ومن الجدوى أن يتعامل الروائي مع الصيغة الثلاثية ومع الصيغة الرباعية , للتخلص من النمطية في الثقافة , واستثمار الكتابة الفنية في توسيع مدخلات الخطاب . يستطيع الروائي أن يحول الفوضى الى نظام , كما هو الحال في أوضاعنا العربية , وذلك بتغيير الأنظمة المعطوبة فنيا , بأنظمة جديدة أكثر ملازمة للتغير , لأن في الفوضى تضيع كل الأساليب المنطقية في تحليل القضايا , ويدخل الناس مرحلة العمى , والمبصر الوحيد هو الكاتب الذي ينظر الى الأمور من زوايا مختلفة هي الأكثر منطقية لحل المعضلات . وذلك باستبدال الأنظمة الثقافية الجديدة بالأنظمة القديمة , التي لم تعد تفيد حياة المجتمع . تشكل معرفة الراوي في الخطاب , علامة ثقافية على ذهنية الروائي , وكيفية تنميطها للمعلومات والتعامل معها , ففي هذه المعرفة علاقات كثيرة , وتحقق العلامة الثقافية حضورا فنيا إذا بان الانسجام والتنسيق في الخطاب الحكائي , بما يعكس الاستقرار النفسي في التعاطي مع الأفكار والكتابة . فتكون الرواية علامة ثقافية على الذهنية المرتبة , وتكون علامة على الذهنية المشتتة , وقد قرأنا بعض الروايات اليمنية التي تحتاج الى تسييق وتنسيق , والى إعادة صياغة , وذلك لتعالي المؤلف على المعلومات التي قدمها في عمله .

قد يعجبك ايضا