في الوظيفة العامة

علي أحمد بارجاء

 - (ثمان ساعات عمل, لا ثمان ساعات في العمل), شعار ومبدأ كانت وزارة الخدمة المدنية في الجنوب قبل قيام الوحدة اليمنية تطبöقه في نظام العمل والوظيفة
(ثمان ساعات عمل, لا ثمان ساعات في العمل), شعار ومبدأ كانت وزارة الخدمة المدنية في الجنوب قبل قيام الوحدة اليمنية تطبöقه في نظام العمل والوظيفة العامة, وتجبöر العمال والموظفين من الإداريين والفنيين بقوة القانون على الالتزام به, إذ يقضون ثماني ساعات كاملة في الدوام الرسمي اليومي يقدöمون خدماتöهم للوظيفة وللمواطن بدقة وتفان وإخلاص, بل ويمنعون من مغادرة مقارö عملهم إلا للضرورة القصوى, وبعد تسجيل زمنö الخروج والعودة في سجل خاص.
الملاحظ أن العمال والموظفين ــ وللقاعدة شذوذ ــ كانوا شديدي الحرص على تنفيذ وتطبيق ذلك المبدأ, من غير أن يشعروا بالملل أو التذمر, بل شاع بين العمال والموظفين مقولة: (اشتغل, وكلú حلال), التي تشير إلى الخوف من الله, قبل الخوف من النظام والقانون, ولم يكن الهدف من بقاء العامل والموظف في مقرö عمله ثماني ساعات كاملة, سوى الانهماك في ممارسة العمل, وبذل الجهد, والتركيز على الإنجاز, انطلاقا من الحكمة القائلة: (لا تؤجöل عمل اليوم إلى الغد), فيصبح الموظف مفيدا, ويؤدي عمله كما ينبغي, مقابل حصوله آخر كل شهر على راتب يستحقه بجدارة شرعا وقانونا, في ظل نظام وظيفي قائم على الثواب والعقاب, بل يتجاوز الاستحقاق المألوف إلى تقديم الحوافز والمكافآت والشهادات التقديرية التي ترفع من حرص الموظف على الانضباط والإتقان والإبداع والتميز, وتشجöع على خلق التنافس الشريف بين الموظفين لينال كل منهم شرف الفوز بالتقدير والتكريم, والترقي الوظيفي السريع, والانتقال من درجة وظيفية إلى درجة أرفع منها, وبحسب الكفاية العلمية والعملية, وكان هذا الترقي يسير سيرا طبيعيا في وقته المحدد من غير حاجة إلى أن يبذل الموظف من أجل الحصول عليها أي جهد, أو تضطره إلى اللجوء إلى وسيط يحقق له ذلك, بل ترفع الإدارات نفسها تقارير عن موظفيها المبرöزين للجهة الأعلى المخول لها مكافأة كل عامل, ورفع درجته أو منصبه, وضمöه إلى كشوفات المكرمين في عيد العمال, وكان لنقابات العمال حينها دور بارز في الدفاع عن العمال, والمنافحة عن حقوقهم, وإنصافهم حين يتعرضون لظلم أو إهمال أو إقصاء, وهذا يبرر سعي الإنسان إلى الانخراط في العمل الوظيفي لدى الدولة, لما تضمنه الوظيفة العامة لهم من حقوق أثناء العمل, أو بعد التقاعد والإحالة على المعاش.
اليوم حينما ننظر إلى وضع الموظف في الدولة, نجد الفرق واضحا بينه وبين وضعه في السابق, الموظفون اليوم ــ إلا من رحم ربي ــ لم يعودوا يعملون بكفاءة وإخلاص, يأتي الموظف منهم إلى مقرö عمله متأخرا, ويغادره قبل أن ينتهي الدوام بوقت طويل, وكثيرا ما يسمع المواطن الذي يرتبط بمعاملة عليه أن ينجزها في إدارة ما, بجملة: (عفوا, الموظف الفلاني غير موجود, أو لم يداوم, أو خرج ولن يعود فعدú يوم الغد فلعله سيأتي), وأصبحت خدمة الموظف للمواطن مرهونة بما يدفع له من أجر مالي آخر هو (الرشوة) بعينها التي أصبحت في العرف العام كأنها حق واجب من حقوقه, يستلمها الموظف جهارا نهارا من غير خوف أو حياء, ولا يتعرض بسببها إلى المساءلة أو العقاب, بل قد توزع بعض (الرشاوى), وبخاصة في المعاملات الكبرى بين الطاقم الوظيفي بعضه أو جميعه, من أصغر موظف إلى أعلاها درجة ومنصبا لذا انعدمت البركة في الرواتب التي هي حق شرعي لعدم أداء الموظف لعمله الذي يستحق من أجله ذلك الراتب كما ينبغي له أن يؤديه.
لقد قلت ساعات العمل اليوم, وضعف الالتزام بها, فكم سيكون حجم الإنجاز الذي يحققه الموظف في عمله¿! ليس الخوف من الفصل عن العمل سابقا هو الذي يجعل الموظف يؤدي عمله على أحسن ما يرام, لأنه ليس للتقصير من عقاب سوى الإقصاء, وبالقانون أيضا, الأمر هنا أبعد من ذلك, إنه الوازöع الدöيني الذي ظل رادعا للنفوس من الوقوع في الخطأ, وإنه الضمير الحي الذي يستيقظ ويمارس تأنيب النفوس المقصöرة ويسوقها إلى السير على السبيل السوي. ثم إنه مبدأ الثواب والعقاب الذي كان حاضرا ومطبقا ومنفذا على الجميع سواء بسواء, فإن غاب الوازع الديني ومات الضمير, وانعدم الثواب والعقاب فعلى الدنيا السلام! لكن تبقى الإشارة إلى نموذج الأمس الأفضل ضرورة, والإشادة به واجب حتى نستطيع أخذ العöبرة لنستفيد منها اليوم في الواقع الذي لا يقدöم في الغالب سوى النموذج الأسوأ.

قد يعجبك ايضا