“النباشون” في القمامة.. عنوان للبؤس الاقتصادي

فيروس الكبد (أ) والربو والسل أكثر الأمراض استيطاناٍ لمزابل القمامة

يجمعون 3000 طن من البلاستيك في الشهر الواحد معظمهم من الأطفال

يعرفه الناس بهيئته ووجهه الشاحب وجسده النحيل وهو يجوب الشوارع ويتنقل من وإلى أكوام وبراميل القمامة.. إنه (سليم) الذي قادته ظروف الحياة ليبحث عن ما يسد رمق جوع أسرته من المزابل والقمامة فيظل الساعات الطويلة ينبش ويفتش عن أي شيء يمكن الاستفادة منه كالعلب البلاستيكية وبقايا المواد المعدنية ومن أجل ريالات قليلة لا تغني ولا تسمن من جوع.. سليم وعمره اليوم 55 عاماٍ أصبح طريح الفراش يعاني ويكابد المرض والألم نتيجة للعمل وسط القمامة مما جعل ابنه الأصغر يتحمل مسؤولية 4 بنات بالإضافة إلى (الأب والأم) وتكاليف علاجهما .. ليترك المدرسة ويخرج إلى الشارع “حاملاٍ كيسه”.. في التحقيق الصحفي التالي نسلط الضوء على الظاهرة.

ما أن تخلو الشوارع من المارة ويخلد الناس إلى النوم حتى يتحرك (مهيوب) عند منتصف الليل وهو يخفي وجهه حتى لا يتعرف عليه أحد من أصدقائه أو جيرانه أو حتى اقاربه فهو لا يريد أن ينظر إليه الناس بنظرة احتقار أو حتى شفقة وهنا يقول: منذ أربع سنوات وأنا أجوب الشوارع باحثاٍ في أكياس وبراميل القمامة عن مخلفات القوارير البلاستيكية حيث أبدأ عملي مع منتصف كل ليلة لأجني مع بزوغ الشمس مبلغاٍ زهيداٍ لا يتجاوز الـ 400 ريال والذي يوفر طعام الإفطار لزوجتي وأطفالي الثلاثة وأضاف: صحيح بأن هذا العمل لا يتمنى أحد أن يقوم به لكنه ضرورة ملحة لي لكي لا أمد يدي إلى الناس وأطلب منهم قوت يومي.
حسن أيوب توفي فجأة تاركاٍ خلفه (علاء ومحمد وجميلة) ثلاثة أطفال تكفلوا بإعالة أسرتهم ويروي لنا علاء معاناتهم التي يعيشونها بصوته الشاحب قائلاٍ: بعد وفاة والدي تحملت والدتي المسؤولية حيث كانت تقوم بجمع المواد البلاستيكية وبيعها لتؤمن لنا حاجاتنا اليومية لكنها لم تستطيع أن توفر لنا تكاليف الدراسة اضطررنا إلى ترك المدرسة ونحن الآن نتجه –ثلاثتنا- في الصباح الباكر لجمع القوارير البلاستيكية لنعود عصراٍ إلى المنزل ومعنا 2 أو 3 أكياس من القوارير ونبيع الكيس الواحد بـ100 ريال. ثم نعود لممارسة العمل ذاته حتى المساء فنحن نعمل صباحاٍ لكي نوفر غداءنا وليس معنا ما يكفي لشراء وجبة طعام واحدة.
استغلال
هذه القصص توضح حالة البؤس الاقتصادي والنفسي الذي أصاب عدداٍ من الأسر الفقيرة لتدفع بأبنائها إلى الشوارع ليمارسوا النبش في النفايات بعد أن كانت هذه الأعمال مقتصرة على (المهمشين) وعدد من الصوماليين.. ولمعرفة المزيد عن هذه الظاهرة المستشرية في أوساط المجتمع سألنا المترجم فاضل الكهالي مندوب الشركة الصينية للصناعات التحويلية والذي علق قائلاٍ : كانت البداية الأولى لجمع بقايا البلاستيك في عام 2002م حيث قامت إحدى الشركات الصينية بإقامة مصنع في صنعاء يقوم بفرم القطع البلاستيكية وإعادة تحويلها في الصين فمهمة الصين هي استقبال وشراء علب البلاستيك من (النباشين) والآن هناك من يقوم بشرائها من هؤلاء النباشين ثم يبيعونها إلى المستوردين الصينيين.
ولو قمنا بعمل مقارنة سنجد أن القيمة التي تعطى لمن يقوم بجمع هذه العلب من المزابل والقمامات هي 60 ريالاٍ للكيلو الواحد فيما يبيعها المستقبل اليمني بـ 120ريالاٍ للمستثمرين الصينيين.
ويوضح الكهالي : صحيح أن هؤلاء النباشين لا يدفعون أي مقابل عند جمع هذه المواد إلا أن الأرباح التي يجنيها الوسطاء وأرباب المصانع من إعادة تصنيع وتحويل البلاستيك كبيرة جداٍ.
وبين أن إجمالي ما يجمعه (النباشون) يصل إلى 3000 طن في الشهر الواحد.
حلول اقتصادية
ويضيف الكهالي: جمع وفرز النفايات قد يرفد خزينة الدولة بالملايين من العملة الصعبة ويحل العديد من مشكلات البطالة إذا قامت الدولة بإنشاء مشروع للصناعات التحويلية بل سيصبح مصدراٍ أساسياٍ للمواد الأولية .. لذا يجب أن يكون هناك قرار يحظر نقل هذه النفايا البلاستيكية إلى الخارج وبالتالي يتم إعادة تحويلها هنا ومحاصرة من يجنون أموالاٍ كبيرة ومن الممكن أن تفيد قطاع العمل في اليمن وتوفر العديد من احتياجات السوق المحلية بدلاٍ من استيرادها من الخارج على أن يتم وضع قانون لمهنة النباشين ومعاملتهم كعمال وتجنيبهم الكثير من المخاطر.
آثار اجتماعية
هناك آثار وخيمة تترتب على ما يسمى بالنباشة ومنها آثار اجتماعية شديدة الأهمية تترتب على انتشار هذه الظاهرة خاصة أن معظم من يشتغلون في هذه الأعمال هم من الأطفال الذين تدفع بهم أسرهم إلى مزابل النفايات والقمامة نتيجة للفقر المدقع بعض هذه الأضرار يحدثنا عنها محمد المطري الموجه التربوي في وزارة التربية والتعليم: لا شك أن تفاقم هذه الظاهرة واتساع رقعتها يعد عاملاٍ ومؤشراٍ واضحاٍ لتدهور الحالة الاقتصادية في البلاد كما تظهر انعدام الدخل لدى بعض الأسر. هذه العوامل تعد السبب الرئيسي في إخراج الكثير من الأطفال من مدارسهم والدفع بهم إلى الشوارع وهنا يكمن خطر كبير يتمثل في انتشار الأمية كما أن وجود هؤلاء في معظم الأوقات في الشوارع يجعلهم يختلطون برفقاء السوء والمنحرفين وهنا يتم استغلالهم إما في عمليات السرقة أو أعمال غير أخلاقية لذا يجب على الدولة أن تجد الحلول المناسبة لمثل هذه الظاهرة.
أضرار صحية
الطبيب عمرو جابر رئيس منظمة الإنسان يشرح الأضرار الصحية التي يتعرض لها النباشون في القمامة قائلاٍ : بالنسبة للأخطار الصحية للنباشين والعاملين في القمامات فهي تختلف بحسب نوعية المكان الذي ينبشون فيه إذا كانت الأدوات جارحة وزجاجية فأكثر خطر يواجهونه هو انتقال الأمراض الفيروسية ومن ضمنها فيروس الكبد الوبائي (أ) ويأتي الخطر الثاني وهو انتقال الأمراض الجلدية حيث إن بعض الأدوات مثل العلب البلاستيكية يوجد فيها مواد كيميائية حيث تعمل عملية تحسس على الجلد وتؤدي إلى تجرحات والتهابات.
ويضيف: أما الخطر الكبير الذي يواجه هؤلاء فيتمثل في الروائح الكريهة التي تؤثر على الصدر والشعب الهوائية والتي تؤدي إلى تحسس مزمن في الجهاز التنفسي مما يؤدي إلى الإصابة بالربو أو السل والأخير ينتقل وبائياٍ وأكثر الأوبئة تنتقل عن طريق القمامة. هذه أهم الأخطار الصحية التي تحدق بالنباشين في مقالب القمامة.

قد يعجبك ايضا