قريبا من الدولة.. بعيدا عن اللبننة..

عبدالله دوبله


 - قد يسأل البعض عن شكل هذه الدولة المائعة "شبه الدولة وشبه الديمقراطية" الملامح كثيرة لهذه الدولة إلا أنه يمكن القول أن الدولة اللبنانية الراهنة هي مثال جيد على هذه الحالة.

قد يسأل البعض عن شكل هذه الدولة المائعة “شبه الدولة وشبه الديمقراطية” الملامح كثيرة لهذه الدولة إلا أنه يمكن القول أن الدولة اللبنانية الراهنة هي مثال جيد على هذه الحالة.
هناك دولة في لبنان إلا أنها ليست نافذة على الجميع على اعتبار أنها دولة وعلى اعتبار أنهم مواطنين بل هي دولة فقط لمجرد أن مجموعة من القوى السياسية المستندة إلى طوائف مذهبية توافقت على وجودها في حدود معينة كمحل لتفاهماتها وبقدرات أقل من قدراتها أيضا. فالجيش اللبناني هو أقل قوة وقدرة من قدرة وقوة حزب الله العسكرية مثلا..
هناك مواطنون في لبنان إلا أنهم ينتمون لطوائفهم أكثر من انتمائهم لفكرة المواطنة كما أن هناك أحزابا أيضا إلا أنها واجهات طائفية أكثر منها أحزابا مدنية تنشط بين مواطنين بعيدا عن اعتبارات الدين أو العرق.
في هذا الواقع تمارس السياسية في لبنان ويسمى توافق الطوائف عبر القوى التي تمثلها ديمقراطية أيضا. منصب الرئيس هو للمسيحيين الموارنة ليس كل المسيحيين حتى رئاسة الحكومة هي للمسلمين السنة رئاسة البرلمان هي للمسلمين الشيعة..
في هذه الحالة لا تؤدي نتائج الانتخابات التي يتم إجرائها مهما كانت مختلفة إلى واقع سياسي مختلف. فرئيس الجمهورية يجب أن يكون مسيحي ماروني وجرت العادة أن يأتوا به من قيادة الجيش بتوافق ورضا كل القوى السياسية وهو المنصب الأضعف والذي يفترض أن يكون أداءه توافقيا دائما.
رئيس الحكومة يجب أن يكون من السنة لكن التحالف الفائز بأكثر المقاعد في فارق لا يكون كبيرا في العادة هو من يمكنه تسمية رئيس وزراء لرئاسة حكومة تشارك فيها المعارضة بنسبة الثلث المعطل وهذا الأخير بدعة لا مثيل له في غير لبنان. ووزراء ينتمي كل منهم لتياره أكثر من انتماءه لحكومة كوحدة متجانسة وينسحب انتماءه على أداء وزارته أيضا.. فيما رئاسة البرلمان هي للشيعة ومنذ كان هذا التقسيم يحتل رئيس حركة أمل نبيه بري المنصب مهما كانت النتائج. لأن حزب الله لا ينازعه عليه فقط.
ليست الانتخابات ونتيجتها هي العامل المؤثر على هذا الواقع السياسي في لبنان الذي يتقاسمه فريقان هما 8 آذار بقيادة حزب الله وحلفائه وهم خليط من الشيعة والسنة والمسيحيين و14 آذار بقيادة تيار المستقبل وحلفائه من خليط مماثل مع تحولات طريفة للدروز بقيادة وليد جنبلاط بين المعسكرين.. فالواقع الإقليمي والدولي وتجاذبه بين معسكر إيران سوريا حزب الله والسعودية أمريكا هو مؤثر أيضا.
بدايات التسعينات من القرن الماضي حين تم التأسيس لهذا النظام التوافقي بين الطوائف للخروج بلبنان من الحرب الأهلية في اتفاق الطائف الشهير قيل أنه سيكون انتقاليا في الطريق إلى دولة المواطنة والديمقراطية و نص على ذلك في الاتفاق أيضا.
إلا أن طبيعة النظام وتأسيسه على هذا النوع من تفاهمات الطوائف بعد الحرب الأهلية في التأسيس الثاني وخضوع لبنان بصورة أو بأخرى لتفاهمات أو خصومات سوريا السعودية هي من جعلته دائما ومستمرا منذ أكثر من عقدين على تأسيسه حتى الآن..
ربما يقول البعض. لكننا لسنا طوائف وأديان في اليمن كلبنان في الحقيقة لسنا كذلك تماما إلا أن دولة ما أو نظام سياسي يتم التأسيس له تحت فكرة التفاهمات والتوافقات بين مراكز قوى في ظل هشاشة الدولة وضعفها يستمر ويتكرس بتلك الصيغة لتمسك الأطراف الفاعلة على تبايناتها الكبيرة بهذا النظام للحفاظ على مصالحها المكتسبة أو خشية الجديد القادم. ويحل هو محل فكرة ووظيفة الدولة التي تظل ضعيفة..
فالحديث الآن عن الحاجة لنظام سياسي توافقي وإطالة أمده وتوسيعه ليشمل أطرافا على اعتبارات جغرافية ومذهبية تحت دعاوي الشراكة الوطنية هو في الحقيقة ليس من الشراكات الوطنية في شيئ فهي لا تكون إلا بين مواطنين متساويين على اعتبارات المواطنة لا غير.. أما هذا النوع فهو شراكات أو تفاهمات بين تيارات سياسية ومراكز قوى لا أقل ولا أكثر.
ليس لدينا في اليمن دولة قوية أو هي أقوى من الأطراف السياسية ومراكز القوى كما أننا لا نحضر كمواطنين أفراد وأحرار حين نمارس الديمقراطية بل نحضر كحشود عصبوية لاعتبارات اجتماعية ومذهبية وحتى جغرافية تعبر عنها مراكز قوى قديمة وناشئة.
تسليم الدولة والديمقراطية لنظام سياسي يعبر عن تفاهمات تلك القوى هو تكريس لتلك القوى التي ستجد مصالحها في هذا النظام والذي ستحرص على ديمومته واستمراره.. في مقابل المزيد من ضعف الدولة وتخلف التجربة الديمقراطية.
لا أقول أننا في اليمن الآن في وضع سياسي يسمح لإدارة الدولة الراهنة أو التأسيس للدولة المستقبلية بعيد

قد يعجبك ايضا